ما بين سبعينية يوليو وستينية الجزائر - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:33 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بين سبعينية يوليو وستينية الجزائر

نشر فى : الثلاثاء 26 يوليه 2022 - 8:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 26 يوليه 2022 - 8:20 م
فى وقت متقارب احتفلت مصر بالذكرى السبعين لثورة 23 يوليو 1952 التى استكملت حلقات سابقة من الثورة الوطنية حيث أنهت أكثر من سبعين عاما من الاحتلال البريطانى لمصر كما وضعت نهاية للحكم الملكى وأعلنت الجمهورية وتحققت أمور عديدة داخليا وخارجيا من المؤكد أن الاختلاف حول تقييمها كان وسيبقى موجودا على الساحات المصرية والعربية والإفريقية والعالم الثالثية والدولية، بينما احتفلت الجزائر فى الخامس من يوليو بالذكرى الستين لاستقلال الجزائر وخروجها من تحت سيطرة الاحتلال الفرنسى الذى جثم عليها لمدة قرن وثلاثة عقود، وإعلان الجمهورية فيها، وذلك بفضل ثورة المليون ونصف مليون شهيد التى اندلعت فى الأول من نوفمبر 1954 تحت قيادة جبهة التحرير الوطنية، وتحققت أيضا عبر مسيرتها العديد من الأمور التى صارت محل نقاش وجدل واختلاف بين تقييم وآخر، سواء داخل الجزائر أو خارجها، باعتبارها موضوعات باتت، مثلها مثل إرث ثورة يوليو فى الحالة المصرية، تعتبر تاريخية وتخضع لاعتبارات التعامل مع التاريخ ومناهجه.
إلا أن الثورتين المصرية والجزائرية كانتا وستظلان تشكلان علامتين مضيئتين ومعلمين مشرفين فى التاريخ العربى والإسلامى والإفريقى والعالم ثالثى، بل والعالمى، فى النصف الثانى من القرن العشرين، وقد تركتا ولا تزالان بصمات هامة وتأثيرا عميقا على صياغة عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، على الأصعدة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما سنعرض فيما يلى لأمثلة على ذلك.
ومن المؤكد أن ثورة يوليو واستقلال الجزائر يوجد بينهما العديد من الدلالات المشتركة، ولا تقتصر تلك الدلالات الهامة على العلاقة الوثيقة التى ربطت بين الشعبين المصرى والجزائرى، خاصة عبر بوابة دعم ثورة يوليو المطلق واللا محدود لثورة الجزائر حتى تحقق الاستقلال، بالرغم من مشاركة فرنسا فى العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 للانتقام من دعم ثورة يوليو لثورة الجزائر، وليس فقط بسبب الدعم اللا محدود من الجزائر المستقلة لمصر فى حربى 1967 و1973، بل تتجاوز تلك الدلالات العلاقات التاريخية والهامة المشتركة بين الشعبين والبلدين لتمتد إلى دلالات ثورة يوليو واستقلال الجزائر بعد انتصار ثورتها فى دوائر تحركهما الخارجى على وجه الخصوص، سواء كان ذلك بالنسبة للمشهد العربى أو الإفريقى أو العالم ثالثى أو الدولى، وذلك بالرغم من الإقرار بوجود حالة، طبيعية بل وصحية، من الاختلاف الداخلى فى كل من البلدين على النتائج التاريخية التى تمخضت عن ثورة يوليو المصرية عام 1952 وثورة واستقلال الجزائر بعد ذلك بعقد كامل تقريبا.
فقد كان لكلا الحدثين فعل السحر وتأثير مزلزل على الأصعدة الإقليمية والعالمية، على تنوعها، وأديا إلى تفجير طاقات الكثير من الشعوب العربية، وكذلك شعوب العالم الثالث فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فى نضالها من أجل استكمال تحقيق مهام التحرر الوطنى وحلقات النضال الشعبى من أجل نيل الاستقلال السياسى.
فعلى الصعيد الإفريقى، لم يكتف البلدان بدورهما الرئيسى فى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية فى عام 1963، بهدف ضمان التنسيق والتكامل فيما بين البلدان الإفريقية المستقلة آنذاك، والتى تحولت لاحقا مع نهاية الألفية الثانية إلى الاتحاد الإفريقى، بل إنهما ساندتا بقوة مسعى الشعوب الإفريقية التى كانت لا تزال تقبع تحت الاحتلال الأجنبى، لنيل استقلالها السياسى الكامل والانضمام إلى التنظيم الدولى ممثلا فى الأمم المتحدة، فمصر يوليو لعبت دورا هاما فى الأزمة الدولية التى ارتبطت بأزمة استقلال الكونغو لضمان استكمال خطوات ذلك الاستقلال وإفشال محاولات الاستعمار الغربى لإجهاض نضال حركة التحرر الوطنى هناك، كما لعبت دورا هاما آخر فى الحفاظ على وحدة أراضى الكونغو، وكذلك فى الحفاظ على استقلال ووحدة أراضى نيجيريا فى مواجهة مؤامرات تقسيمها، وتصدرت مصر الصفوف للدفاع عن استقلال غانا فى مواجهة مؤامرات إعادة إنتاج النموذج الاستعمارى بصيغ أخرى وتحت مسميات مختلفة. ومن جانبها استضافت الجزائر معسكرات التدريب الخاصة بحركات التحرر الوطنى فى بلدان أنجولا وموزمبيق وغينيا بيساو وغيرها من بلدان الشرق والجنوب الأفريقى ووفرت لهم السلاح وفرص الدعم السياسى وقدمت الدعم لهم حتى حصلوا على الاستقلال، كما أن مصر والجزائر معا لعبا دورا كبيرا على المستويين الأفريقى والدولى لحشد الصفوف وتعبئة الجهود ضد نظامى الفصل العنصرى فى كل من روديسيا وجنوب إفريقيا التى كانت تحتل ناميبيا آنذاك، حتى سقط الأول عام 1980 وتحولت روديسيا إلى زيمبابوى، وحتى سقط الثانى فى مطلع التسعينيات وحل محله نظام ديمقراطى جاء إلى السلطة بالأغلبية الأفريقية من السكان.
أما على الصعيدين العالم ثالثى والعالمى، فإن مصر يوليو والجزائر المستقلة كانتا مصدر إلهام وتحفيز وتشجيع للكثير من شعوب الجنوب فى آسيا وأمريكا اللاتينية للإصرار على مواصلة النضال لحركات التحرر الوطنى بها حتى يتحقق الاستقلال أو القضاء على الحكومات التابعة للاستعمار الغربى، ويكفى هنا أن نشير إلى حالة كوبا، حيث ذكر الزعيم الكوبى الراحل «فيديل كاسترو» أن ثوار حركة 26 يوليو فى كوبا عندما كانوا يناضلون فى جبال سييرا مايسترا لإسقاط حكم «باتيستا» كانوا يستلهمون قرار الزعيم المصرى الراحل جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس وتصدى الشعب المصرى بنجاح للعدوان الثلاثى عام 1956 باعتباره نموذج لقدرة شعوب بلدان الجنوب على إلحاق الهزيمة بقوى الاستعمار العالمى، وهو ما شجعهم على مواصلة نضالهم حتى النصر. وبعد انتصار الثورة الكوبية فى الأول من يناير 1959، وبعد استقلال الجزائر فى الخامس من يوليو 1962، شبت شراكة قوية بين الثورتين والبلدين، وعندما زار الزعيم الأسطورى الأمريكى اللاتينى «أرنستو تشى جيفارا» القارة الإفريقية فإنه حرص بالذات على زيارة كل من مصر والجزائر فى أكثر من مرة قبل استشهاده فى عام 1967، حيث التقى فى مصر بالزعيم المصرى الراحل جمال عيد الناصر والتقى فى الجزائر بالزعيمين الراحلين أحمد بن بيللا وهوارى بومدين.
إلا أن دور مصر يوليو والجزائر المستقلة لم يقف عند هذا الحد على الصعيد العالمى، بل أسست الدولتان، مع بلدان أخرى مثل يوغوسلافيا آنذاك والهند وإندونيسيا وكوبا، حركة عدم الانحياز لتكون منبرا سياسيا لبلدان الجنوب يجعلها قادرة على التأثير على أجندة العلاقات الدولية والعمل لدمقرطة النظام الدولى، كما أسست الدولتان مع دول أخرى أيضا مجموعة الـ 77 لتكون بمثابة المنبر الاقتصادى لبلدان الجنوب، ولتعمل على إصلاح الخلل فى النظام الاقتصادى الدولى. وفى هذا السياق، نكتفى هنا بالإشارة إلى دور البلدين فى سياق حركة عدم الانحياز ومجموعة الـ 77، للعمل من أجل استعادة سيطرة شعوب وأمم الجنوب على ثرواتها التى نهبها أو استغلها الاستعمار الأوروبى لعقود، بل ولقرون فى بعض الحالات، وفرض السيادة الوطنية وممارستها على استخدام تلك الثروات واتخاذ قرارات توظيفها بما يخدم المصالح الوطنية للدول والشعوب فى الجنوب بعيدا عن هيمنة الاقتصاديات المتقدمة لدول الاحتلال السابقة أو ما يشابهها. وبخصوص هذه المسألة الأخيرة على وجه التحديد، فلا يمكن أبدا التقليل من التأثير العميق على نضالات بلدان العالم الثالث فى هذا المجال لقرار مصر بعد ثورة يوليو بتأميم قناة السويس وقرار الجزائر بعد الاستقلال بتأميم قطاع النفط. بل إن تلك القرارات كانت فى جوهرها ومدلولاتها هى المقدمة العملية والأرضية الفعلية التى انطلق منها دور كل من مصر والجزائر منذ ستينيات القرن العشرين، وتجسد بشكل أكثر منهاجية وتحديدا بعد حرب أكتوبر 1973، فى تبنى الدعوة لنظام اقتصادى عالمى جديد كان يهدف إلى تحقيق التكافؤ والعدالة والإنصاف فى منظومة العلاقات الاقتصادية الدولية، وهو الأمر الذى تبنته حركة عدم الانحياز ومجموعة الـ 77، وكلاهما تشكيل تنظيمى معبر عن بلدان الجنوب ومصالحها، ثم تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة تالك الدعوة إلى إقامة نظام اقتصادى عالمى جديد فى وقت لاحق من سبعينيات القرن العشرين.
وهكذا رأينا مما تقدم جانبا من الأرضية المشتركة والتأثير المتشابه لثورة يوليو فى مصر واستقلال الجزائر بعد ثورة المليون ونصف مليون شهيد فى دوائر التحرك والنشاط الإفريقية والعالم ثالثية والعالمية الإنسانية.
وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات