هل شبع الناس من الحكايات الفنية المتعددة التى شاهدوها فى السينما والتليفزيون حول كل من ريا وسكينة، هاتان المرأتان اللتان ملأتا قبو منزلهما الواقع خلف قسم اللبان بالإسكندرية بجثث النساء، وامتلأت الدار بالبخور وأدوات التطهير، إنها حكاية أقرب فى قسوتها إلى ما فعله الكونت دراكولا فى الثقافة الغربية، لقد تابعت كل هذه القصص، خاصة أننى شاهدت فيلم «ريا وسكينة» إخراج صلاح أبو سيف 1953، من تأليف ضابط الشرطة لطفى عثمان، وكتب السيناريو والحوار نجيب محفوظ، لأول مرة فى أحد العروض المستمرة فى سينما ريكس بالإسكندرية فى الستينيات، واعترف أن كل التجارب الأخرى حاولت أن تفسد علىَّ متعة المشاهدة الأولى، لكنها لم تفلح، حدث ذلك فى مسلسل إذاعى بعنوان «بنات ريا وسكينة» ثم فى أفلام عديدة منها «إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة»، الذى حكاه لى أحد أصدقاء الصبا بالتفصيل قبل أن أشاهده مرات عديدة فى التليفزيون، وأيضا المسرحية التى أخرجها حسين كمال فى الثمانينيات، وفى تلك الحقبة قدم المخرج أحمد فؤاد فيلمه «ريا وسكينة» بطولة يونس شلبى وحسن عابدين، ثم قرأت بعض فصول من كتاب صديقى الراحل صلاح عيسى الذى حوله مصطفى محرم إلى مسلسل رائع جاءت كل هذه النصوص مختلفة فيما بينها يخرج من كل واحد منها من إبط الآخر، ثم جاءت الأخبار بأن هاتين المرأتين كانتا من المناضلات السريات أثناء الاحتلال البريطانى، ولا أنكر أننى شاهدت الفيلم هذا الأسبوع مرتين متتاليتين فى يوم واحد، وبدا لى عملا جديدا مختلفا، باعتبار أنه فى هذا الفيلم شاهدت شكرى سرحان، نجمى المفضل بعد عمر الشريف فى دور وغد وشرير، يلعب بعقل وقلوب البنات لدواعى السرقة والحصول على الذهب، كما أن فريد شوقى أيضا قام بدور الشرير بشكل مختلف عما كان يقدمه فى تلك الآونة، واستطاع أنور وجدى أن يجسد دور الضابط، وهو يجيد أداء مثل هذه الأدوار فى أفلام أخرى منها «المجرم، أربع بنات وضابط»، أما نجمة إبراهيم فيحضرنى فى هذا المقال ما كتبه عنها الناقد السينمائى الراحل سعد الدين توفيق أنها ظلت أسيرة لهذه الشخصية حتى آخر حياتها، وعندما قرأت هذه المقولة للمرة الأولى كان تعليقى هو أن نجمة إبراهيم من خلال حصيلة أدوارها المشابهة السابقة فى سنوات عديدة، أى أنها أكسبت شخصية ريا كل هذه القسوة وليس العكس، ولذا فإن كل من جسد هذه الشخصية لم يكن أى منهن بمثل هذه البراعة، وذلك عكس حالة زوزو حمدى الحكيم التى عملت معى فى إحدى برامج قصص الأطفال فى الإذاعة فى آخر أيامها، واتفق الحاضرون أنها فقدت أَلَقَها، وعليه فإن ما حدث هو أن نجمة إبراهيم قد أشعت بكل موهبتها على زميلتها، وجعلتها تابعة لها، قد تكرر هذا الأمر فى فيلم «إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة» الذى كان مليئا بالبهجة والكوميديا والغناء، أى أن فى إمكان كل متفرج أن يرى هاتين الشخصيتين كما يريد وأن تبقى ريا وسكينة فى الذاكرة حسبما ترغب، وعلى كل فكما قال أحد النقاد فإن حضارة القرن العشرين فى الغرب مستوحاة من أجواء مصاص الدماء دراكولا، ويمكننى أن أقول هنا أن ثقافة القرن العشرين فى مصر قد خرجت من بيت ريا وسكينة، ذلك المكان الذى وقفت أمامه وقد ملأنى الفضول عما شاهده فيه إحدى ليالى رمضان، رأيت خيالاتى قد خرج منها كل المقتولات اللائى لا نعرفهن، ولكننا نعرف بطلتى الرواية بأكثر من صورة.