نشرت وكالة «بلومبرج نيوز» الأمريكية تقريرا للكاتبين «جوناثان فيرزيجر وفدوى هودالى» عن الدور المتصاعد لتركيا فى القضية الفلسطينية. تعود العلاقات بين إسرائيل وتركيا إلى عام 1949 عندما أصبحت تركيا ثانى أكبر بلد ذات أغلبية مسلمة بعد إيران تعترف بدولة إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت إسرائيل هى المورد الرئيسى للسلاح لتركيا. وحققت حكومة البلدين تعاونًا مهمًا فى المجالات العسكرية، الدبلوماسية، الاستراتيجية، كما يتفق البلدان حول الكثير من الاهتمامات المشتركة والقضايا التى تخص الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، شهدت العلاقات بين الدولتين الكثير من التوتر على المستوى الدبلوماسى خاصة بعد الهجوم الإسرائيلى على أسطول «الحرية» التركى الذى يحمل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة أثناء حصار2010.
يتواجد الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» بشكل كبير فى جميع أنحاء القدس الشرقية، بداية من مسجد قبة الصخرة وصولا إلى الأكشاك فى سوق المدينة القديمة. يرفع المصلون المسلمون صورته فى ساحة مسجد الأقصى بعد أداء صلاة الجمعة، كما تقوم المطاعم برفع العلم التركى على جدرانها، فضلا عن إرسال عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك إلى المدينة المقدسة التى تسيطر عليها إسرائيل للحج لمنع «تهويدها».
ونظرًا لكون «أردوغان» أحد القادة المسلمين القلائل الذين ما زالوا يدافعون عن القضية الفلسطينية، فإن اهتمامه بالقدس نابع من رغبته فى إعادة إحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية فى المنطقة. إن اهتمامه المتنامى بالقدس من شأنه أن يكون مصدر قلق للحكومات الثلاث فى هذه المدينة المتنازع عليها: إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن. كما أنه يمثل تحديًا للمملكة العربية السعودية، التى رسخت ثروتها النفطية ومكانتها باعتبارها مهد الإسلام منذ فترة طويلة كحامٍ للقدس الشرقية.
تعتبر القدس مكانا مقدسا بالنسبة لأتباع الديانات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، كما تقع القدس فى قلب الصراع الإسرائيلى ــ الفلسطينى. ومن الجدير بالذكر أن الإسرائيليين يزعمون أن القدس عاصمة موحدة لدولة يهودية، فى حين يرغب الفلسطينيون فى السيطرة على الجانب الشرقى الذى يعيش فيه أغلبية من العرب، وجعله عاصمة لدولتهم المستقبلية. معظم الدول لا تعترف بالسيادة الإسرائيلية على القدس، ولكن مع توقف محادثات السلام وتقسيم الفلسطينيين، سعت الحكومات المتنافسة إلى تأكيد نفوذها.
«السعوديون لديهم مكة وأردوغان يريد القدس». هذا ما قاله «بنحاس إنبارى»، المحلل الإسرائيلى فى مركز القدس للشئون العامة. وأضاف: «إن لإسرائيل مصلحة أمنية فى التأكد من أن تركيا لا تحاول ممارسة السلطة على المسجد الأقصى وإثارة الوضع الراهن». من الجدير بالذكر أن أردوغان يسعى إلى توجيه انتقادات لاذعة إلى إسرائيل. فعندما اعترفت واشنطن بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وبسبب الاعتراضات الفلسطينية، انتقد أردوغان ما حدث ووصف إدارة ترامب بأنها «شريك فى سفك الدماء».
• القائد البطل
«احموا مكة والمدينة. احموا هذه الأراضى المقدسة. احموا القدس». هذا ما قاله أردوغان فى خطاب ألقاه الشهر الماضى.
وفى هذا السياق علق صلاح الدين نصر الدين، صاحب متجر للقطع الإلكترونية فى السوق، قائلا: «إن أردوغان رجل قوى يحب فلسطين. ندعو من أجل أن يأتى اليوم الذى سيقود فيه أردوغان جميع الدول الإسلامية».
• حركة حماس
بينما ترحب السلطة الفلسطينية باستثمارات أنقرة فى المدينة القديمة، فإن تركيا تدعم منافس «عباس» المرير، حركة حماس المتشددة التى تسيطر على قطاع غزة، وجماعتها الأم، الإخوان المسلمين فى مصر.
وفى هذا الصدد، ذكر جهاد حرب ــ المحلل فى المركز الفلسطينى للبحوث السياسية والمسحية برام الله ــ: «منذ وصول أردوغان إلى سدة الحكم، ظل يعمل على استعادة دور تركيا كلاعب استراتيجى فى المنطقة وكمنافس لدول سنية مثل السعودية. إن السلطة الفلسطينية ترغب فى الحصول على الدعم المالى الذى تقدمه تركيا، لكنها حذرة للغاية فى تعاملاتها بسبب علاقات تركيا مع حماس».
• القيود المحتملة
قال مايكل أورين ــ نائب وزير الخارجية الإسرائيلى ــ: «لقد توترت العلاقات الإسرائيلية التركية خاصة فى عهد أردوغان مما دفع بإسرائيل القيام بمراقبة التواجد التركى فى القدس بريبة، وربما تقيد أنشطتها إذا كان ينظر إليها على أنها تزيد من دعمها للجماعات الإسلامية المتشددة». وأضاف أورين: «نحن نراقب الأمر».
وأشارت «وكالة المساعدات الخارجية التركية» فى تقريرها السنوى لعام 2015 ــ بشأن الاستثمارات فى القدس – إلى أن تركيا قامت بأكثر من 500 مشروع تقدر قيمتها بنحو 30 مليون دولار فى الأراضى الفلسطينية، و81 مشروعا فى القدس الشرقية.
ومن الجدير بالذكر أن التواجد التركى بقوة فى القدس أثار قلق الأردن، فمن شأنه أن يمثل تحديا للوصاية التاريخية للأردن على المقدسات الدينية؛ فبعد أن استولت إسرائيل على القدس الشرقية من الأردن فى حرب 1967، سمحت للإدارة الدينية الأردنية المعروفة باسم «الوقف» بالاستمرار فى إدارة المقدسات الدينية، مع احتفاظ القوات الإسرائيلية بالسيطرة الأمنية.
وقال الشيخ عمر الكسوانى، مدير مسجد الأقصى: «إننا لن نقبل أى منافسة».
• الأنشطة التجارية بالقدس
يمكن أن تشكل أنشطة تركيا تحديًا للمملكة العربية السعودية، التى قدمت أكثر من 6 مليارات دولار فى البرامج الفلسطينية منذ عام 2000 ــ بما فى ذلك 285 مليون دولار مخصصة للقدس ــ وذلك وفقًا لبيان أصدره عبدالله الربيعة، مستشار فى البلاط الملكى فى شهر مايو، والمشرف العام لمركز الملك سلمان للمساعدات الإنسانية والإنقاذ.
كما تعهد خادم الحرمين الشريفين «الملك سلمان بن عبدالعزيز» رسميا بتقديم 150 مليون دولار للفلسطينيين فى إبريل الماضى، مع التركيز على الحفاظ على التراث الإسلامى فى القدس.
ومثلما تبنت تركيا شارع خان الزيت، قامت المملكة العربية السعودية بتجميع المتاجر على طول طريق الواد، وهو الطريق الذى يمتد بين باب العامود فى شمال مدينة «القدس» وحتى حارة الواد بالقرب من حائط البراق جنوبها، وهو المكان الأقدس حيث يُسمح لليهود بالصلاة. قبل بضعة أشهر، كان هناك مبنى فى الشارع يحمل لوحة من الحجر تصف العمل الذى تموله السعودية هناك، كما يقول الرجل الستينى «زياد غنيم»، الذى يملك متجر الألعاب المجاور.
• تأخر القبول
يختتم الكاتبان حديثهما بالإشارة إلى تصريح ألون لئيل ــ المبعوث الدبلوماسى الإسرائيلى السابق إلى تركيا ــ الذى قال: «إن قبول إسرائيل للأنشطة التركية والسعودية قد تأرجح تماشيا مع التطورات الدبلوماسية». فمن الجدير بالذكر قامت القوات الإسرائيلية بالهجوم على قافلة المساعدات التركية المتجهة إلى غزة ــ فى ظل حصار عام 2010 ــ، مما وصف أردوغان ذلك بـالمجزرة الدموية، ودعا إلى معاقبة إسرائيل.
«على النقيض من ذلك، يتم تشجيع الشراكة السعودية فى القدس باعتبارها علاقات تجارية سرية حيث إن التواصل يتم من خلال إدارة ترامب وزعماء وسطاء آخرين»، هذا ما على حد قول لئيل. فى حين أن فريق ترامب للسلام فى الشرق الأوسط تشاور بشكل وثيق مع السعوديين، كان أردوغان من بين أشد منتقدى الرئيس.
إعداد: زينب حسنى عز الدين
النص الأصلى: