تبعات فلسفة السلام المصرية - إيريني سعيد - بوابة الشروق
الإثنين 27 أكتوبر 2025 12:12 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

تبعات فلسفة السلام المصرية

نشر فى : الأحد 26 أكتوبر 2025 - 7:05 م | آخر تحديث : الأحد 26 أكتوبر 2025 - 7:05 م

حينما قادت القاهرة كبار الدول إلى اتفاقية سلام جمعت الأطراف الأصيلة والمتصارعة من أجل السيطرة على الحرب المشتعلة فى غزة، كانت تعلم جيدًا أن ثمة تبعات لا تزال تؤثر فى المشهد، سيما عقب عامين على حرب كارثية، لم تتمكن قوى إقليمية أو دولية من إيقافها أو حتى تهدئتها. بالتالى، يصعب الحديث عن تهدئة شاملة، أو حتى حالة من الاستقرار بعيدًا عن الاحتكاكات الأخيرة بين الجانبين، إن كان حماس أو دولة الاحتلال.

بشكل عام، يصعب التعاطى مع المشهد أو التكيف معه بعيدًا عن رؤية القاهرة، التى اجتهدت فى صياغتها دبلوماسيًا وسياسيًا على مدار عامين. حرصت مصر خلالها على انتهاج المسارات السلمية ولم تلتف إلى أية أهواء فارغة. صحيح ذكرنا عبر جميع القنوات الرسمية أن القاهرة مفتوحة على كل السيناريوهات حتى غير السياسية، لكن الإدارة المصرية كانت تدرك جيدًا أنه لا حلول بعيدة عن المسارات والقنوات الدبلوماسية، وهو ما أثُبت صحته عقب تخوفات قوية من غياب كل فرص التهدئة. تمكنت القاهرة من التحرك من مجرد بحث التهدئة أو المفاوضات إلى استراتيجية سلام وخطة محكمة، ومن ثم تبرز القاهرة فى مقدمة الضامنين لهذه الخطة.

هنا تجدر الإشارة إلى مجموعة من الملاحظات على تبعات هذه الفلسفة، والتى قادت كبار الدول: أولًا، من المتوقع أن تبرز بعض الاحتكاكات والمناوشات بين الجانبين، خصوصًا أن حربًا استمرت عامين وبمستوى من الوحشية والتنكيل بالمدنيين، يصعب تفهم إخمادها خلال أيام، وهو ما تتوقعه وتدركه القاهرة جيدًا. بالتالى، تتحرك كل الأجهزة المصرية على مستوى رفيع بدءًا من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى زار بروكسل -الأيام الماضية- من أجل المشاركة فى القمة المصرية ــ الأوروبية. ومن البديهيات أن الرئيس حتمًا سيواصل التدويل القوى للقضية الفلسطينية، والأهم التركيز على مقتضيات قمة السلام وحتمية إتمامها، وهو ما يجيده الرئيس جيدًا فى خطاباته السياسية عبر خلق مواجهة حقيقية بين العالم، وتحديدًا الفاعلين الكبار من ناحية، وتداعيات الصراعات من ناحية أخرى. كذلك، تتحرك مختلف الأجهزة السيادية الأمنية والعسكرية فى اتجاهات متوازية من أجل التواصل القوى مع الأطراف، وبحث إيجاد نقطة يتلاقى عندها الأطراف لإتمام خطة السلام.

ثانيًا، دولة الاحتلال بيمينها المتطرف ما زالت فى حالة من عدم الإدراك تجاه الفجوة ما بين الإبادة التى انتهجتها ضد العزل، وما بين التحرك نحو السلام، وهو ما قد يقوض الجهود والفرصة السانحة من أجل المشروع الإسرائيلى وإقامة إسرائيل، والأهم عودة الاتجاهات نحو حل الدولتين، وهو ما رغب الاحتلال فى تهميشه وخفوت الأحاديث عنه.

ثالثًا، الجانب الأمريكى، ترامب تحديدًا، وعقب فشله وإخفاقه الواضح فى السياسة الخارجية، صحيح أنه يود أن يبرز أية نجاحات، لكن الأهم أيضًا هو العودة إلى قناعات الرئيس الجمهورى، الذى لم يكن يرغب بالأساس فى الانخراط بالشرق وصراعاته، ولا أدل من سحب جنوده من العراق وأفغانستان. بالتالى، لا يود مزيدًا من الصراعات، وإن كانت السردية الإسرائيلية ما تزال حاضرة بالعقلية الغربية، وأن ما حدث قبل نحو عامين كان إرهابًا من قبل الجهاديين. بالتالى، الاستمرارية فى إحكام التوازنات تحتاج إلى مزيدٍ من الدبلوماسية مع سيطرة كاملة على الجانب الإسرائيلى، خصوصًا نتنياهو، الذى أُجريت معه بعض التفاهمات بخصوص ضمان مستقبله السياسى وعدم العصف به جنائيًا وسياسيًا. ومن ثم، على الولايات المتحدة استحسان الفرصة الاستراتيجية التى صاغتها لها القاهرة لإنهاء هذه الحرب وتحجيم الأوضاع.

وهنا تبرز جزئية مهمة يجب على الرأى العام العربى إدراكها، وهى: إن كنا اتجهنا فى معظم تحليلاتنا بضرورة عودة الأوضاع فى القطاع إلى ما قبل أكتوبر 2023، فهذا لا يعنى إطلاقًا عودة تامة لاستقرار الأوضاع وإقامة فلسطين، أو حتى مجرد الاعتراف بالدولة الفلسطينية. كل ما نعنيه هنا هو تحديد الأولويات وتسليط الضوء عليها من أجل إتمامها، وأهمها كما فعلت القاهرة، إذ ألزمت الأطراف بالإيقاف الفورى لإطلاق النار وسرعة إدخال المساعدات، لتأتى البقية تباعًا عبر الجهود المصرية المتواصلة والمستمرة تجاه فلسطين، قضيتها والفلسطينيين. فلا يعقل أن صراعًا تاريخيًا يُحسم فى أيام، أو قضية محورية معلقة لعقود، يُبت فيها فى ضوء هذه التشابكات المتداخلة، والتى تقتضى سرعة إنقاذ المدنيين من إخوتنا وأشقائنا بالقطاع.

 

كاتبة صحفية وباحثة أكاديمية فى العلوم السياسية

إيريني سعيد كاتبة صحفية وباحثة أكاديمية فى العلوم السياسية
التعليقات