المسارات المتصادمة فى اليوم التالى! - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الإثنين 27 أكتوبر 2025 1:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

المسارات المتصادمة فى اليوم التالى!

نشر فى : الأحد 26 أكتوبر 2025 - 7:05 م | آخر تحديث : الأحد 26 أكتوبر 2025 - 7:05 م

اتفاق غزة هش، ولا أفق سياسى يُعَوَّل عليه. هذه حقيقة تتبدى فى تفاصيله وكافة تطوراته الميدانية. تفجير الاتفاق وارد، وتفجير المنطقة كلها ليس مستبعدًا. كان خرق وقف إطلاق النار مرةً بعد أخرى داعيًا إلى إحباط أمريكى معلن خشية انهياره.

فى زيارتى نائب الرئيس «جى دى فانس» ووزير الخارجية «ماركو روبيو» إلى تل أبيب، كانت الرسالة واحدة: «لا تخرقوا الاتفاق».

الرسالة نفسها كررها على مسامع الإسرائيليين المبعوث الرئاسى «ستيف ويتكوف» وصهر الرئيس «جاريد كوشنر»، اللذان يتابعان التفاصيل عن قرب.

بنوع من الإلحاح، أكد الأمريكيون أن الاتفاق صامد من الجانبين!

رغم ذلك كله، أقر الكنيست الإسرائيلى بالقراءة الأولى مشروع قانون يقضى بضم الضفة الغربية إلى الدولة العبرية.

 كان ذلك تدميرًا متعمدًا لأى اتفاق، أو لأى نوع من السلام الذى يتبناه الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» ويعمل على فرضه تمكينًا لإسرائيل فى حسابات المنطقة.

 لم تكن مصادفة أن يحدث مثل هذا التطور الخطير أثناء وجود «فانس» فى إسرائيل.

كان مقصودًا الإيحاء بأن الولايات المتحدة مطلعة عليه وشريكة فيه.

لا تمانع إدارة «ترامب» فى سيناريو الضم والتوسع، وقد سبق له أن تعهد بدعمه أثناء ولايته الأولى، لكنها بدت منزعجة من الإقدام عليه دون إطلاع وتشاور مسبق، ودون تحسب للتداعيات والعواقب.

بتعبير «فانس» فإنه «قرار غبى»، قاصدًا التوقيت لا مشروع الضم.

المعنى نفسه سجله «ترامب» بصياغات حادة: «لا يمكنكم فعل ذلك الآن».

تداخلت حيثياته مع طبيعة شخصيته كرجل صفقات يدرك أن تبعات الضم تنسف كل صفقة ماثلة.

«لن يحدث ذلك. لن يحدث. لن يحدث لأننى وعدت الدول العربية. لقد حظينا بدعم عربى كبير. لن يحدث لأننى وعدت الدول العربية. لن يحدث. إسرائيل ستفقد كل الدعم الأمريكى إذا ضمت الضفة».

لم يكن ممكنًا لإسرائيل أن تتجاهل تحذيراته، التى تعنى بالضبط رفع أى غطاء سياسى وعسكرى عن الدولة العبرية بما يفوق طاقتها على التحمل.

أذعن «نتنياهو» لما أراده «ترامب».

علق الإجراءات زاعمًا أنها كانت مناورة من المعارضة الإسرائيلية، لا مشروعًا يصر عليه حلفاؤه فى الائتلاف الحكومى.

فى توقيتها وأسبابها استهدفت خطة «ترامب» إنقاذ إسرائيل من أن تصبح دولة معزولة ومنبوذة، وإفساح المجال أمامها فى الوقت نفسه لأن تحقق بالمفاوضات ما فشلت فيه بالحرب.

هنا -بالضبط- موطن «الغباء» الذى قصده نائب الرئيس. من تبعات «الغباء المستوطن» الاعتراض على أى مشاركة تركية ومصرية فى القوات الدولية المقترحة لحفظ الأمن والاستقرار فى غزة أثناء الفترة الانتقالية المفترضة.

الاعتراض نفسه، حسب التصريحات اليمينية الإسرائيلية، يشمل أى دولة فى العالم تعترف بحق الفلسطينيين فى تقرير مصيرهم، أو أن تكون لهم دولة مستقلة كاملة السيادة على الأراضى المحتلة منذ (4) يونيو (1967). الترجمة المباشرة: استبعاد الأغلبية الساحقة من دول العالم.

إنهم لا يطلبون قوات حفظ أمن واستقرار، بل قوات احتلال بديلة تحقق الأهداف الإسرائيلية بأقل التكاليف. هكذا يتصادم مساران رئيسيان:

أولهما، مسار الضم والتوسع الإقليمى تحت سقف «إسرائيل الكبرى»، وثانيهما، التطبيع وتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية لتضم المملكة العربية السعودية بالذات، غير أنها تشترط مسارًا موثوقًا يفضى إلى دولة فلسطينية.

«نتنياهو» يتبنى المسار الأول، و«ترامب» يميل إلى المسار الثانى.

كلاهما ليس مستعدًا أن يعترف بالدولة الفلسطينية. إحدى المسارات المحتملة: توسيع دوائر الاشتباك والحرب على جبهتى إيران ولبنان.

العودة إلى الحرب مع إيران خيار ماثل بقوة لتخفيف وطأة الضغوط على «نتنياهو»، حتى لا يتفكك الائتلاف اليمينى الحكومى.

تميل واشنطن إلى شىء من التعديل فى الوسائل دون تخَلٍّ عن هدفى تقويض المشروع النووى الإيرانى وتحجيم مشروعها الصاروخى الباليستى.

ثمة توجه جديد يتبناه «ترامب» لدمج طهران فى ترتيبات الشرق الأوسط الجديد.

بمعنى آخر: إعادتها إلى لعب ذات الدور الذى كانت تقوم به فى فترة حكم شاه إيران كـ«شرطى لحماية المصالح الأمريكية فى المنطق».

تكاد الخلافات الأمريكية الإسرائيلية أن تنحصر فى الوسائل. نقطة البدء الأمريكية تثبيت وقف إطلاق النار فى غزة، لكنه معرض من فرط هشاشته إلى مناوشات سياسية وعسكرية قريبة من فوهات النيران.

حسب صياغة المبعوث الأمريكى إلى سوريا ولبنان «توم براك»، فإن اتفاق غزة «هدنة» ينبغى أن تصبح مشروعًا إقليميًا لإعادة بناء الشرق الأوسط.

هكذا -بالضبط- وبكل دقة.

يفتقد «براك»، الذى تنتمى أصوله إلى زحلة اللبنانية، أى مهارات دبلوماسية، فهو يكشف نواياه فى أقل عدد من الكلمات المتفجرة.

لا تمانع إسرائيل فى ذلك المشروع، شرط أن يستجيب لكامل شروطها، أولها وأهمها: نزع سلاح المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، والتوسع فى التطبيع المجانى دون دفع أى فواتير أو استحقاقات.

الحسم بالسلاح وحده.

فى التوقيت نفسه تصاعدت أزمة أخرى بموجة هجوم جوى إسرائيلى على منطقتى البقاع وشمال شرق لبنان بذريعة استهداف بنى عسكرية لحزب الله ومنعه من إعادة بناء قدرته العسكرية بتصنيع صواريخ بالغة الدقة والتطور. لم يكن هناك دور أمريكى، أو شبه دور، يعترض على الإخلال الفادح باتفاقية وقف إطلاق النار.

أخطر ما فى كل هذه المسارات المتصادمة أنه لا توجد إجابة عربية واحدة، واضحة ومتماسكة، على أسئلتها الضاغطة.