** كنت بصدد كتابة مقارنة فنية بين فريقى الأهلى والزمالك، من واقع مباريات الموسم الماضى و14 مباراة خاضها كل منهم فى طريقه لنهائى دورى أبطال إفريقيا لكن الخبر المفاجئ لرحيل مارادونا أعاد لأجيال ذكريات لا تنسى، خاصة أن الأهلى والزمالك أمامهما مواعيد أخرى للقاء بينما غادر مارادونا استاد الحياة دون موعد قادم.
** رد فعل العالم يعكس قدر احترام موهبة النجم الأرجنتينى. حتى الإنجليز الذين تعرضوا لهز شباكهم بيده فى كأس العالم 1986، ظلوا يصفونه بأنه أسطورة كرة القدم. والواقع أن مارادونا جعلنا نحب الكرة أكثر، ونحب أن تذهب إليه الكرة ولا تذهب إلى غيره، كأنه يلعب وحده، وكأننا نريده اللاعب الوحيد. فأنا من جيل شاء حظه أن يرى زمن دى ستيفانو، وبوشكاش، وبيليه وجارينشا ويوهان كرويف وبيكنباور، وبوبى شارلتون، وكريستيانو رونالدو ولونيل ميسى. وكان كل منهم بطلا لزمنه. ونجما ساطعا من نجوم كرة القدم.. لكن مارادونا كان مختلفا.
** هو أول لاعب عبقرى يلعب كرة القدم فى زمنها الصعب الذى بدأ فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى. زمن المساحات الضيقة والدفاع الصارم والعنيف، والاشتباك بين اللاعبين، ومع ذلك كان مارادونا قادرا على الإفلات من هذا كله، بمرواغاته المدهشة، التى يمارسها بمشط قدمه، وفى أقل مساحة، وبقدرة فائقة على إيهام الخصم بأن الكرة له وهى ليست له، ولكنها لمارادونا، المرواغ الأول فى اللحظة قبل الأخيرة. وهو ما ورثه ميسى عنه.
** كنت محظوظا حين قابلت مارادونا وتحدثت معه عام 1980، فى أوروجواى أثناء بطولة كأس العالم المصغرة، حين كان الاقتراب منه حلما. كان يكفى أن يظهر أمام الإعلام فى مساحة تصوير فقط دون تصريحات كى يتصارع الصحفيون والإعلاميون من أجل الفوز بصورة تذكارية معه. صورة للتاريخ مع تاريخ. صورة مع أسطورة. وكم كنت محظوظا أننى نلتها.
** أظلمت بوينيس أيريس، وأطفأت أنوارها لحظة العلم بوفاة الأسطورة. وكان ذلك تعبيرا بليغا عن شدة الحزن. فقد رحل بطلهم الذى هزم الإنجليز فى ميدان كرة القدم ثأرا لهزيمة الأرجنتين فى حرب جزر الفوكلاند. هكذا هى كرة القدم، وهكذا هى نظرة الشعوب لها. ففى أحيان يكون الانتصار فى مباراة ثأرا للهزيمة فى حرب. وهذا من أسرار تلك اللعبة التى يمس فيها الانتصار كبرياء الأمة. فشعوب العالم أجمع تخرج بالملايين فى الشوارع لتغيير أو لتأييد واقع سياسى، وكذلك تخرج الشعوب بالملايين ابتهاجا بالفوز بمباراة أو ببطولة. وهما الحالتان الوحيدتان اللتان يحركان الشعوب للخروج بالملايين إلى الشوارع والميادين..!
** قال أرسين فينجر تعليقا على رحيل مارادونا: «موهبته وعبقريته، تغفر له ذنوبه وما وقع فيه من أخطاء». وأظن أن ذلك صحيحا. فقد أصاب الحزن عشاق كرة القدم ونجومها وأبطالها لرحيل الإسطورة. نسى الجميع جموحه والأخطاء التى وقع فيها وفشله كمحلل وفشله كمدرب، وتذكر الجميع كم كان لاعبا عظيما، قدم لنا البهجة والمتعة.
** صحيح.. فعلى مدى مائتى عام، أو ألف عام، قليلون جدا هم اللاعبون الذين أحب الجمهور والناس أن تذهب إليهم الكرة، ولا تذهب إلى غيرهم.. قليلون جدا الذين كان عشاق كرة القدم يرونهم ولا يرون غيرهم، ولا يريدون أن يروا غيرهم.. وداعا لأسطورة القرن العشرين.. ترى هل أخذت كرة القدم معك؟!