من رؤية إلى خطة واقعية.. نموذج العمل لمشروعات الريف المتجدد - نبيل الهادي - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 2:57 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من رؤية إلى خطة واقعية.. نموذج العمل لمشروعات الريف المتجدد

نشر فى : الأحد 26 ديسمبر 2021 - 8:10 م | آخر تحديث : الأحد 26 ديسمبر 2021 - 8:10 م
فى خلال عدة أشهر تغيرت الحياة فى مصر والعالم كما نعرفها بصورة درامية، وسيطرت حالة من اللا يقين نتيجة ظهور وانتشار جائحة كورونا فى كل مكان. وبينما تصور البعض فى البداية أننا أمام عارض طارئ سينقشع قريبا، تُظهر الوقائع شيئا فشيئا ويوما بعد يوم أننا أمام حدث كبير، سيبقى تأثيره الملموس طويلا. يدعونا هذا بالطبع لإعادة التفكير والتأمل فى «ما هو أساسى» للحياة؛ كالماء والهواء والطعام، وتقديرهم بصورة أكبر كثيرا من الصورة المادية السائدة. وأصبح من الواضح ترسخ قيمة الحياة الإنسانية كواقع وحقيقة لا يمكن استبدالها أو تقييمها بالمال، وتظهر فى المقابل الأنشطة الاقتصادية الهادفة لحياة كريمة للبشر جميعا فى نفس الوقت التى تقوم فيه بحماية الطبيعة، وربما يسمح لنا الإيقاع الأبطأ الذى فرض علينا نتيجة للجائحة وتأثيراتها بتأمل ما نحن فيه وما نواجهه من كوارث مثل التغير المناخى وتدهور التنوع الطبيعى وغيرهما، وتقدير الترابط المعقد بين المنظومة الطبيعية وتأثير التدخلات البشرية عليها والذى كان فى معظمه غير إيجابى. وكما ظهر فى الإطار المطروح للريف المصرى المتجدد، تساهم التدخلات الصغيرة المدروسة بدقة فى إطار النظام المعقد بدور رئيسى فى التحول المأمول، وخاصة تلك التدخلات المرتكزة على الطبيعة. وجوهر تلك الخطة تساؤل مركب عن كيف يمكن تحقيق آمال السكان فى مكان معين فى إطار مسئوليتهم عن صحة وسلامة كامل الأرض التى نعيش عليها؟
ما بدأنا فى عمله منذ أكثر من ست سنوات هو ربط التعليم بالبحث الجاد على أن تكون له مخرجات يمكن أن تتحول إلى مشروعات واقعية. ونهدف فى القريب أن نربط التعليم والبحث بأفعال ومشروعات محددة يمكن أن تمثل بداية للتحول المنشود. وليس هذا حلما ولكنه واقع قمنا بعمل جزء كبير منه، ونحن الآن فى طريقنا لإيجاد أطر لربط تنفيذ تلك المشروعات الأولية بالعملية المتواصلة للتعليم والبحث. ويوضح المثال التالى أحد المشروعات التجريبية التى حددنا أنها من أولويات التدخل وقمنا بدراسة وافية عنها.
•••
قمت وزميلى الدكتور أحمد العدوى بتصميم ما سميناه «دوار الماء»، وهو يهدف إلى تحسين حالة الصرف الصحى، خاصة فى المناطق التى لا يصل إليها شبكة صرف الآن. وهو يعمل أيضا على توفير جزء كبير من المياه العذبة المستخدمة فى البيوت قد تصل لأكثر من خمسين بالمائة. وهو يقوم بذلك من خلال معالجة أيكولوجية تستخدم النباتات أساسا. ويكتسب هذا المشروع الصغير للغاية أهميته من أن أكثر من 40% من الشعب المصرى ليسوا موصولين بشبكة صرف صحى عمومية. وهذا المشروع يتبنى الثلاث وسائل الرئيسية: «منخفض التكلفة» و«منخفض التقنية» و«مرتكز على الطبيعة». وبالإضافة لذلك فهو يحسن من حالة التنوع الطبيعى الهامة جدا لحماية مواردنا واستمرار حياتنا. ونموذج العمل لهذا المشروع يتبنى «الجيل الجديد من التعاونيات»، والتى فيها يكون الأعضاء هم الملاك، وتهدف إلى تعظيم العوائد وليس الأرباح. ويفصل نموذج العمل هذا بين من هم الشركاء الرئيسيون فى المشروع، وما هى الأنشطة الرئيسية، وماهية الموارد المتاحة. كما يحدد القيمة المضافة ومن هم المستهدفون. كما يفصل هيكل التكاليف، وماهية العوائد المتوقعة، ومن أين تأتى. ونموذج العمل مبنى على أن يكون هذا المشروع مستداما، أو ما يطلق عليه اقتصادا دائريا، يتم استخدام مدخلات المشروع بأكبر كفاءة ولا يكاد ينتج أى مخلفات.
تمويل هذا المشروع هو أحد التحديات التى قمنا بدراستها، واقترحنا لها حلا مركبا ولكنه واقعى يجعل التمويل المبدئى المطلوب أقل ما يمكن، بحيث يمكن إما تمويله من خلال المستفيدين أنفسهم أو من خلال المؤسسات التى تقدم القروض الصغيرة ومتناهية الصغر، لأن طرق سداده تم حسابها بحيث تعادل، إن لم تقل عن، الالتزامات المالية الحالية للمستفيدين فى تكاليف المياه والصرف الصحى.
كما يوضح المشروع كيف يمكن عمل المشروع التجريبى، وما هو الإطار الزمنى له، وماهية الاختبارات ومن هم المشرفون لمتابعة المشروع حتى يمكن التحقق من كفاءته، ثم ينتهى المشروع بتصور لكيفية التوسع مستقبلا بعد التأكد من نجاح المشروع الأولى. وسيحتاج كل مشروع صغير يتم تحديده وتصميمه نموذج عمل مفصل قبل أن يتم تنفيذه بصورة تجريبية لتقويمه وتطويره ثم يتم التوسع فيه لاحقا.
المشروع وتمويله مبنى على فكرة ضرورة أن تكون الأفكار والقدرات والأموال محلية فى أغلبها حتى يمكن للتنمية أن تكون مستدامة، وربما تقتصر المساهمات الأجنبية إلى أقل نسبة ممكنة وتتركز ربما فى مساعدات فنية أو المشاركة فى تمويل المشروعات التجريبية التى تحوى بعض المخاطرة نتيجة كونها مبتكرة وجديدة.
•••
نعمل على تطوير دراسات مشابهة للعديد من المشروعات الأولية التى نرى لها أولوية، وخاصة فى قطاع إنتاج الغذاء والتنقل، ونتمنى أن نصل فى القريب بالتعاون مع العديد من الجهات لنتائج جيدة تسمح بانتقالنا لمراحل تنفيذية ضرورية.
أزعم أن تحقيق التحول السريع للاقتصاد والحياة المتجددة فى ميت رهينة ممكن لو اتبعنا منهجا مماثلا لما قررته منظمة الصحة العالمية فى مواجهة جائحة كورونا. لقد قرر العلماء فى المنظمة أولا أننا لا نستطيع أن ننتظر إجراء دراسات وأبحاث شاملة، ثم بناء على النتائج نقرر بأى صورة نتحرك، لأن السرعة التى يتحرك بها الفيروس أكبر بكثير من أن ننتظر. لذلك يجب علينا أولا اللجوء لخبرتنا ومعرفتنا المتاحة ونتصرف بناء عليها، وبالتوازى نقوم بعمليات البحث والدراسة، ليس فقط لفهم الفيروس بصورة أفضل لكن أيضا لإيجاد الاستجابة الأفضل له من خلال اللقاحات والأدوية، ونتيجة لبعض التغيرات الجوهرية المؤسسية أصبح ما يحتاج عشر سنوات من البحث يمكن أن يتم فى سنة واحدة. وبالرغم من أننا لم نحقق بعد نجاحا حاسما فى مواجهة الفيروس لكننا فى حال أفضل بكثير مما لو قررنا انتظار الدراسة. وتسمح لنا تلك الاستراتيجية التى أراها ذكية وعملية فى آن واحد أن نستخدم العلم والموارد المتاحة لنا بصورة أفضل. ما يعيق تلك العملية بالطبع مشكلات جوهرية لها علاقة بسيطرة الأغنياء واهتمامهم بنجاتهم وهو ما أوضحت التجارب عبر السنتين الماضيتين أنه من غير الممكن.
يستنهض اتباع استراتيجية مماثلة فى الريف المتجدد تنطلق من مواجهة عاجلة لآثار وتبعات التغير المناخى استخدام أفضل للقوى والموارد المحلية وربما يمكننا من استعادة مساهمتنا الحضارية ليس فقط محليا ولكن إقليميا وعالميا.
التعليقات