• التقيت السفير الشهير/عبدالرءوف الريدى منذ عدة أشهر فى أحد المؤتمرات، وأعربت له عن حبى وإعجابى بشخصيته وقلت له: أرغب أن تقيموا فرعا لمكتبة مصر العامة التى ترأسها فى بلدتى ديروط فهى محرومة من الفكر والثقافة والمكتبات، فقال: إذا كنا لم نستطع أن ننشئ واحدة فى مدينة أسيوط رغم إلحاحنا على المحافظ فكيف نقيمها فى مركز ديروط قلت: كيف ذلك؟، لقد أرسلنا لمحافظ أسيوط عشرات الرسائل برغبتنا فى إقامة مكتبة مصر العامة لديه ولن نكلفه شيئا سوى تخصيص الأرض ولكنه لم يرد علينا إطلاقا.
• وأضاف قائلا: بل إننى كلمت عددا من السفراء السابقين والوجهاء فى المحافظة فحدثوه فى الأمر ولكنه لم يهتم على الاطلاق، مع أن محافظين كثر استجابوا مثل دمياط والمنيا وغيرهما، قلت فى نفسى: هكذا حظنا العاثر، وإذا كان هذا شأن المحافظة فما بال مراكزها.
• ديروط بلدتى أكبر مراكز أسيوط، وهى التى ولد بها شاعر الوطنية المصرية حافظ إبراهيم وخرجت عددا كبيرا من العلماء والمفكرين، ولكن حالتها أشبه بالمأساة، فالفوضى فى كل شبر من شوارعها، والباعة يحتلون كل الطرقات الرئيسية، ولم أجد فى يوم من الأيام شرطى مرور ينظم المرور فيها، حيث تتداخل العربات والتكاتك مع المارة فتحدث فوضى لا نظير لها.
• مدينتى تتبعها قرابة سبعين قرية بهذا الحجم من الفوضى والتسيب والإهمال، حينما تسير فى شوارعها ترى أكوام الزبالة والقمامة والذباب والروائح الكريهة فى كل مكان، مع أن المبالغ المتحصلة من سكانها كرسوم للنظافة تبلغ الملايين.
• دائما حينما أسير فى شوارعها أقول لنفسى، ما هو عمل رئيس المدينة ومعاونيه، ماذا يقدمون لهذه البلدة، لا شىء فيها سوى التكاتك التى تسد الشوارع فى منظر بائس، ورغم ذلك فهذه التكاتك حلت جزءا من مشكلة البطالة بين شبابها.
• الترعة الوحيدة التى تمر خلال المدينة فيها كل أنواع التلوث والرائحة الكريهة وتراكم الزبالة حولها والحيوانات النافقة، شىء لا يصدقه عقل من الإهمال الجسيم والفوضى اللا نهائية.
• حينما تسير فى ديروط تشعر أنه لا فكر ولا تجديد ولا رؤية ولا تطوير ولا أى اهتمام بأى شىء فيها، ترعة السواحلية هذه يمكن ردمها أو تحويلها إلى الصرف المغطى وعمل طريق بفرعين حولها مثل مشروع ردم ترعة المحمودية بالإسكندرية وإقامة محور حضارى عليها.
• ولكن الإسكندرية لها من يهتم بها ولكن مدينتى وأشباهها فى الصعيد فى حالة ركود وموت إكلينيكى، حتى محطة مياه الشرب الجديدة التى تم إنشاؤها لم تعمل بعد.
• الشوارع حفرت من أجل الغاز الطبيعى ولكن بقيت الحفر رغم أن شركة الغاز الطبيعى قبضت ثمن الحفر والرصف، وتسلم الحكم المحلى بمدينتى أموال إعادة الرصف ولكنه لم يرصفها مثلما حدث فى معظم المناطق الشعبية فى مصر ومنها بعض مناطق الإسكندرية الشعبية.
• كل المدن حول مدينتى مثل القوصية وديرمواس ومساحتها وعدد سكانها لا يصل لنصف مساحة وسكان مدينتى، بها وحدات مرور لاستخراج تصاريح المرور، وبعضها به مكاتب للحجوزات، ولكن مدينتى الأكبر مساحة والأكثف سكانا ليس فيها أى من هذه الخدمات، مدينتى ليس فيها مكان للتنزه الفردى أو العائلى ولا تجد أى أسرة مكانا كريما تجلس فيه بالليل.
• الصرف الصحى بدأ فى مدينتنا منذ أكثر من عشرين عاما، ولم يتم توصيله النهائى حتى اليوم، تصور مدينة كبرى ليس بها صرف صحى فى القرن الحادى والعشرين.
• أما المشاريع فليس فيها أى مشاريع اقتصادية صناعية أو زراعية تحد من البطالة.
• المخدرات موجودة فى كل القرى وسهلة ومتاحة ويستطيع طلابها الحصول عليها دون عناء، والسلاح فى كل القرى وكل الذى تم بعد 30 يونيه هو إخفاؤه بعد أن كان أصحابه يسيرون به علنا فى الطرقات بعد ثورة 25 يناير.
• كل البلاد فيها مؤسسات خيرية إلا مدينتى فلا وجود لدور قوية ومؤسسية للأيتام أو المعاقين أو رعاية المسنين.
• أما الخدمات الصحية فهى متهالكة تماما فى القرى والمدينة.
• أما الطرق التى تمر من أمام أقسام الشرطة فهى مغلقة تماما طوال الليل والنهار.
• أما فى الإسكندرية مثلا فتغلق الطرق أمام الأقسام من الثانية فجرا حتى السادسة صباحا، وبعد مجىء مدير أمن الإسكندرية الجديد اللواء/ محمد الشريف أمر بعمل حواجز أمام الأقسام ليلا وفتح الطريق ليلا ونهارا، فهل يعقل أن تغلق طرق أساسية باستمرار ولسنوات طويلة قد تكون لا نهائية؟
• فى الإسكندرية عشرات المقرات الأمنية المهمة، والتى لا تقارن أهميتها بقسم ديروط ونحوه والطرق مفتوحة أمامها ليلا ونهارا، مع تأمينها بالحوائط الأسمنتية العالية.
• والغريب أنه فى مدينتنا البائسة نقطة شرطة ليس فيها سوى عدة أمناء وضابطين وأمامها طريق رئيسى مغلق تماما ليلا ونهارا لسنوات، فهل هذا فكر صحيح؟ ولماذا لا نقلد مدنا أخرى مثل الإسكندرية، فكرة الإغلاق وترك الحال على ما هو عليه هو الفكر السائد لإدارة بلدتنا البائسة.
• آلاف الشباب فى قرى بلدتى خاصة وبلاد الصعيد عامة لا عمل لهم ولا أمل ولا مكان للفكر أو التربية الدينية الصحيحة أو مكتبة أو مركز ثقافى أو نادى رياضى جيد ولا مستشفى جيد، ولا مدارس ذات إمكانيات جيدة، لا شىء سوى الدروس الخصوصية والمستشفيات الخاصة، كل شىء على حساب المواطن.
• القرى معدومة من كل الخدمات الصحية والفكرية والثقافية والتعليم فى القرى فى غاية الضعف ويسوده الغش فى سنوات النقل خاصة وفى بعض الشهادات العامة، وخاصة الدبلومات الفنية التى تسير معظم امتحاناتها فى هذه البلاد بالغش والتحايل، ويتخرج الواحد من دبلوم الصنايع وهو لا يعرف أى شىء عن تخصصه أو دبلوم الزراعة ولا يعرف عن الزراعة شيئا.
• حملة البكالوريوس فى بلدتنا يعمل بعضهم كسائقى توك توك، حتى محطة السكة الحديد رصيفها أصغر بكثير من عربات القطار المكيف، ولا يقف عندها سوى قطار مكيف واحد من الصعيد للإسكندرية وبالعكس.
• «بلدتى مأساة وكارثة متحركة تحتاج لإنقاذ سريع» هذا هو ملخص رسالتى لمعالى اللواء/ محمود شعراوى وزير التنمية المحلية الجديد والذى أدرك أنه ورث تركة ثقيلة ناء بحملها شرفاء سبقوه مثل د/ هشام الشريف «أسطورة التكنولوجيا والإدارة» هزمهم فساد المحليات، وقهرهم موظفوها الذين احترفوا تقنين الفساد وشرعنته.
• ولكن عزيمة اللواء شعراوى ونيته للتجديد والإصلاح ووضع بصمة له فى هذا المكان الصعب يجعلنى آمل أن يحول مأساة مدينتى وكل مدن مصر وخاصة الصعيد إلى مدن حديثة وراقية، لا سيما أنه صعيدى مثلنا ويعرف مآسى الصعيد وآلامه وأحزانه، تحية للصابرين من أهل الصعيد على الحر وشدته وقسوته وعلى الحياة برضا فى ظروف صعبة يعلمها الجميع.