كان المطرب فريد الأطرش حريصا على التعامل بقوة وجدية مع السينما منذ بداية علاقته بها عام 1942 من خلال فيلم أحلام الشباب، هو مطرب الأكثر غزارة فى عدد الأفلام، حيث عرض فيلمه الأخير «لغم فى حياتى» بعد رحيله بأشهر، وفى هذه الرحلة قدم الفيلم الاستعراضى الذى ليس له مثيل من خلال «عفريتة هانم»، و«متقولش لحد»، وكوَّن ثنائيا مع سامية جمال ثم صباح ومريم فخر الدين وشادية، ولم يعمل إلا مع عدد قليل من المخرجين المتميزين، على رأسهم أحمد بدر خان، وهنرى بركات، هذ الأخير كان مخصصا لأعمال الفنان، اختارها من الأدب العالمى ويشارك فى كتابة السيناريو ويضيف إليها ما يتناسب مع روح ومراحل المطرب، ومن أهم أفلامهما معا: «لحن الخلود»، «قصة حبى»، «مليش غيرك»، «حبى الكبير»، وغيرها، أما فيلم «يوم بلا غد» عام 1962 فهو ذو مذاق خاص، باعتباره يتضمن عددا محدودا من الأغنيات، كما أنه الفيلم الرابع والأخير أمام مريم فخر الدين، التى لم تكن راقصة ولا مطربة مثل الأخريات، لكنها كانت جميلة بما يكفى للسينما الرومانسية الغنائية التى حرص الاثنان على تقديمها، وفى هذه الرحلة فإن هناك نصوصا أدبية عالمية تمت الاستعانة بها لتتحول إلى أفلام مصرية مثل: «تاسو»، و«ليجوتة» الذى تحول إلى لحن الخلود، وفيلم «رسالة غرام» المأخوذ عن تحت ظلال الزيزفون تأليف الفون سكار، أما «يوم بلا غد» فهو مأخوذ عن مسرحية إنجليزية تأليف G.M. Barry بعنوان «آل باريت» وهو نص مسرحى نفسى قد لا يليق بأن يكون فيلما غنائيا ولكنها معجزات بركات، وقد لا ننسى تجربة فيلم «رسالة من امرأة مجهولة» لصلاح أبو سيف المأخوذ عن رواية من الكاتب الألمانى ستيفان زفايج.
بالطبع هى قصة معقدة حول رجل عجوز عنده أسرة من البنات وعنده أيضا ابنة بالتبنى تركتها له زوجته الراحلة التى كان يحبها كثيرا، وعندما كبرت البنت صارت لها نفس ملامح أمها فعشقها عشقا عاطفيا (جسَّد الدور زكى رستم ببراعة) وصار عليه أن يمنع عنها الرجال، خاصة أن الفتاة الجميلة مصابة بشلل نفسى يمنعها من الحركة، لكنها فى الوقت ذاته تكتب الشعر وترسله إلى المطرب ممدوح، ومن هنا يتولد الإعجاب والحب، ويسعى المطرب للارتباط بالفتاة ليلى، هذه العلاقة تؤرق بشدة ذلك الأب الذى يعرف أنه سيفقد حبه إلى الأبد فيضع كل العراقيل، هذه العراقيل يضعها أمام كل بناته فيقف حائلاً أمام العلاقة العاطفية لكل واحدة منهن، ويتفهم ممدوح طبيعة مشاعر الأب ويحاول أن يجعل ليلى متفهمة كى يمكنها الهروب معه إلى حياتهما الخاصة، وفى نهاية الفيلم يغنى المطرب ممدوح لحبيبته الأغنية التى كتبتها له وهى قصيدة «يوم بلا غد» للشاعر كامل الشناوى، ويتمكن من تغيير أفكارها، تتم المصالحة داخل الأسرة، فالحب هو ناموس الحياة الطبيعى، هذا فيلم مكتوب كعمل مأساوى وليس شريطة أن يكون ممدوح مطربا أو ملحنا، فهو هنا رجل عادى يقع فى الحب وليس المطرب المحاط بالنساء والجميلات وفى غالب الأحيان هو قليل الحيلة يسعى قدر الإمكان لتحويل حبيبته التى لم يقع بحب غيرها، ولذا خلى الفيلم من أى روح للدعابة واستمتعنا بأداء متميز من زكى رستم، علما بأن علاقة فريد الأطرش بالأفلام قد تغيرت بعد ذلك فلجأ إلى قصص كتبها توفيق الحكيم وإلى أفلام عالمية من بطولة كبار النجوم وقد خلت كل هذه الأفلام من الاستعراضات، وكل ما كان يحدث هو أن المطرب كان يغنى أغنية مكتوبة بشكل جيد فى حفل عام مثل قصيدة «لا وعيناك» لكامل الشناوى فى فيلم «الخروج من الجنة».