حالة الشماتة التى انتابت البعض عقب هزيمة حزب النور فى الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، خاصة فى قائمة غرب الدلتا التى تضم البحيرة والإسكندرية ومطروح، المعاقل التقليدية للتيار السلفى، عكست نوعا من عدم النضج، لا نقول لدى رجل الشارع، ولكن عند خصوم الحزب الذين فرحوا فى «عبهم» لخروج أصحاب اللحى من السباق فى جولته الأولى خالى الوفاض.
نقول عدم نضج لأننا فى المجتمع المصرى، شاء من شاء وأبى من أبى، لن نخرج عن ثلاثة تيارات أساسية هى: الليبرالى، واليسارى، والتيار الدينى الذى بات حزب النور ممثله الرسمى فى اللعبة السياسية، ومن هنا يجب ألا تقودنا مشاعر الفرح أو الشماتة فى جانب، أو الحزن على الجانب الآخر.
حزب النور يمثل قطاعا من التيار الدينى اختار العمل السياسى السلمى للتعبير عن وجهة نظر موجودة فى واقع الحياة السياسية المصرية لا يمكن إنكارها، وهم كحزب وأيا كانت الملابسات يمارسون العمل تحت لافتة قانونية صادرة عن لجنة شئون الأحزاب، وطبعا نحن نأخذ بالظواهر، أما البواطن فيعلمها الله، وحتى الآن لم يجنح حزب النور إلى انتهاج العنف، أو تجاوز الأطر السلمية فى التعبير عن مواقفه، بل يتمسك فى تصريحات قادته فى المجمل بالحفاظ على الدولة المصرية، رغم تحفظنا على مواقف بعض رموزه، ووقوع بعض عناصره فى عدد من الممارسات الخاطئة، التى قدمت لخصومه فرصة تشويهه.
فى إعداده لقوائمه التزم حزب النور بالشروط التى وضعها قانون الانتخابات بتمثيل النساء والأقباط وذوى الاحتياجات الخاصة، وربما اضطر إلى تجرع سم ما يرفضه فى عقله الباطن، وأجبر أنصاره على انتخاب من يختلف معهم، امتثالا للقانون، وليس حبا فى قواعد اللعبة التى يخوضها بدوافع برجماتية بحتة تنزله من مصاف الحالمين بالسماء، إلى المقيمين على الأرض بكل تناقضاتها الحياتية.
قبل 30 يونيو تحالف النور مع الإخوان، ودخلت كوادره البرلمان الذى جرى حله بحكم من المحكمة الدستورية العليا، وشهدنا من نوابه فى مجلس النواب العجب العجاب من التصرفات، التى قد نرها استحضارا لعصور طواها الزمن وباتت غريبة فى عصر ارتياد الكواكب الأخرى، غير أن مثل هذه المواقف عكست روح قطاع من المصريين هكذا هو منظوره للحياة.
نظرة أنصار النور إلى المرأة ربما لا تعجب كثيرين، وتعامله مع قضايا السياحة، والآثار، وموقفه من التيارات الأخرى فيها «قولين»، وتصريحات رئيسه اثناء معمعة الانتخابات عن ترشح الأقباط على قوائم الحزب كانت سلبية للغاية، غير أن كل ذلك فى مقام الاختلاف والجدل السياسى، وقابل للنقد، والرفض، بما يصحح من مواقف الحزب غير الموفقة.
يشتكى قادة حزب النور وعدد من شيوخ الدعوة السلفية من تحامل الإعلام ضدهم، واستنجد الدكتور ياسر برهامى، بالرئيس السيسى للدفاع عن الحزب «الذى يساند الدولة، ولم يحمل سلاحا»، (الشروق ــ 25 عدد اكتوبر الجارى)، وأنا شخصيا أختلف مع «النور» فى العديد من رؤاه، وتصوراته عن العمل العام، غير أن ذلك لا يعطينى الحق فى الشماتة فى هزيمته، بمقدار ما يدفعنى فى البحث عن أسباب صعود النور، أو انكساره، كجزء من الحياة السياسية عقب ثورة 25 يناير.
وفى الأخير أن يعمل «النور» فى النور، وتحت عيوننا، أفضل من دخوله القبو المظلم الذى قد يخرج منه مزيد من الثعابين السامة التى رأينا نماذج منها فى جمعة قندهار الشهيرة.