ركب جمع سفينة فى سفر بينهم إبراهيم بن أدهم فهاجت الرياح، وأيقن الركاب بالهلاك وبكى أكثرهم خوفا وإشفاقا من المصير المؤلم، كان إبراهيم نائما فاستيقظ على بكاء الركاب فاستوى جالسا مادا يديه إلى السماء داعيا «يا رب أريتنا قدرتك فأرنا عفوك» فذهب الريح وسكن البحر وعادت الطمأنينة للركاب.
ما أشبه هذا الموقف بموقف البشر من جائحة كورونا التى تضرب العالم للعام الثانى على التوالى وجاوزت الإصابة بها الستين المليون مريض مات منهم أكثر من مليون و400 ألف شخص، فى سابقة فريدة فى الوباء، وهذه هى الأعداد التى تم إحصاؤها، أما ما لم يتم إحصاؤه فهو أكثر بكثير.
لقد أرانا الله قدرته وقيوميته ونريد أن نرفع أكف الضراعة لله لكى يرينا الله رحمته سبحانه وعفوه وكرمه وجوده، فما أحوج الناس الآن لذلك.
ذنوبنا كثيرة ولكن عفوك يا رب أكبر، سترت القبيح وأظهرت الجميل، ونشرت العافية، وجعلت العافية هى الأصل فى الحياة كرما منك وجودا، اللهم أتم على عبادك جميعا العافية، المسلمين وغير المسلمين، الطائعين والعاصين، القريبين والبعيدين، كرما منك وجودا.
أصيب صديقى الحبيب أستاذ الكبد والجهاز الهضمى بالكورونا، فوجئت بالخبر يرسله لى عبر الواتس يطلب دعاء الصالحين والطيبين، تم حجزه بمستشفى العزل، حدثته تليفونيا فوجدت صوته واهنا متحشرجا تتخلله نوبات عنيفة من الكحة العنيفة واحتباس الصوت.
حزنت لما أصاب هذا العالم العبقرى صاحب أفضل رسالة دكتوراة عن سرطان الكبد فى مصر، أصيب من كثرة مخالطته لمرضى سرطان الكبد الذين يصابون عادة بالكورونا لانهيار مناعتهم.
قلت له: لن يخزيك الله أبدا، فقد كنت تحسن إلى المرضى الفقراء، وما أخذت أجرا من فقير أو يتيم، وكم تطوعت بمئات الاستشارات الطبية مجانا، فطب نفسا ولا تحزن، فعمرك كله سخرته للعلم والتعليم وخدمة الناس، وكنت تتقاضى الملاليم فى عيادتك بالنسبة لغيرك، الفحص والعلاج والموجات فوق الصوتية بأقل من ثمن الأشعة وحدها خارج عيادتك.
ذكرته بقوله تعالى «وَأَمَا مَا يَنفَعُ النَاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ» سوف تبقى ما دمت تنفع الناس وترحمهم وتعطف عليهم، رددت عليه قول النبى «الرَاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَحْمَنُ» من يرحم الخلق سيرحمه الرب، ومن يكرم العباد سيكرمه رب العباد.
تذكرت وقتها الحكمة الأثيرة «إذا هزمتك الحياة فاسجد لربك وانتصر»، فلا حل لمعظم مشكلات الكون سوى اللجوء إلى الله.
هذا الجيل من الأطباء والأساتذة لم تهنأ مثل غيرها بملذات الحياة وأطايبها، أغلقوا زمانهم وأعمارهم على نفع الناس، طب نفسا يا صديقى ففرج الله وعافيته فى الطريق إليك وإلى كل أمثالك.
الحب أعلى مقامات السالكين إلى الله، لأنه يطوى المسافات فى الطريق إلى الله، وأسرع السبيل لوصل الخلق بالحق سبحانه، فمقام الحب يطوى مقامات سير السالكين طيا، ويروى ظمأ قلوب المحبين الذين لا يقتصرون على حب الله «المحبوب الأعظم» بل يحبون خلقه وعباده، من أحسنوا إليهم ومن أساءوا، ويشهد لذلك قول أحد المحبين من الصحابة الذى قال للرسول «صلى الله عليه وسلم» إمام المحبين «ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام، إلا أنى أحب الله ورسوله» فهتف النبى بأجمل شعار ودثار وسلوى للمحبين الذين قصروا فى جنب الله «أنت مع من أحببت يوم القيامة» وإذا بمن يفهم هذه المعانى يعتبرون هذا اليوم عيدا للمحبين ويفرحون بكلمات النبى فرحة لا تقل عن فرحتهم بالإسلام نفسه، ولذا يقول إمامهم أنس بن مالك راوى الحديث «فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أكثر من قوله «صلى الله عليه وسلم» «أنت مع من أحببت يوم القيامة».
أجمل ما فى الدنيا «محبة الله» وأجمل ما فى الجنة رؤية الله، وأعظم ما ينتفع به «كتاب الله»، وأبر الخلق هم «رسل الله» وهكذا تدور حياة المؤمنين مع الله حيث دار، ولا يدور حول الدنيا وزينتها، كل ذلك رغم أن الغالبية من البشر يدور حول المال والدنيا ومع المناصب حيث دارت.
يمكنك أن تجد عضو البرلمان ينفق قرابة عشرين مليون جنيه من أجل هذا المنصب ثم يفشل فلا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، ولو أنه أنفق جزءا بسيطا فقط من هذا المبلغ لوجه الله أو على اليتامى والفقراء والمساكين لدخل الجنة من أوسع أبوابها.
لو أحصيت الأموال الطائلة التى تنفق مع كل انتخابات لهالك الأمر واستهوتك أحزان، فلو أنفق ربعها على وجوه الخير أو لإقامة مشاريع تحل مشاكل البطالة لكنا فى وضع مختلف، ناهيك عن الأحزان والصراعات وسواد القلوب الناتج عن هذه الصراعات المريرة، وفى النهاية إما أن تغادر المنصب أو يغادرك، ووقتها ستدرك الحقيقة المرة أنك كنت تعيش وهما كبيرا.
الطيبون قد يهزمون كثيرا ولكنهم يبتسمون وينتصرون فى النهاية.
أفلكما اشتهيت اشتريت فمتى نتعلم الصبر، وكلما خلوت عصيت فمتى نتعلم التقوى، أفلكما تعبت استرحت فمتى تتعلم العزم، أفلكما يسر لك تماديت فمتى تبدأ التوبة؟
ليس من شروط الإنجاز وجود اسمك فى التاريخ «وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ» لا تشغل نفسك لتظهر أو تُذكر ويكفيك أن الله أعلم بما تصنع من خير وبر.
من أفضل ما قرأت «لا ديمقراطية لجائع، ولا ديمقراطية لخائف ولا ديمقراطية لجاهل» والجهل لا علاقة له بالمؤهل الدراسى فرب أمى لا يقرأ ولا يكتب أكثر وعيا من خريج جامعة.
لا تلوموا من باعوا أصواتهم وأنفسهم من أجل عدة جنيهات فلا اختيار لجائع ولا كرامة له.
أصعب كلمة وداع قيلت فى التاريخ كله «لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا».
البرد يمرضنا، الحر يؤذينا، الشمس تحرقنا، والأمطار الغزيرة تغرقنا، فما أجمل الجنة «لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسا وَلا زَمْهَرِيرا».