تراخي بايدن مع نتنياهو - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 3:25 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تراخي بايدن مع نتنياهو

نشر فى : الإثنين 27 نوفمبر 2023 - 7:30 م | آخر تحديث : الإثنين 27 نوفمبر 2023 - 7:30 م

برغم احتضانها الحركة الصهيونية، منذ صدور وعد بلفور عام 1917، رعايتها الدولة العبرية منذ إعلانها عام 1948، وتهافت الرؤساء الأمريكيين، منذ ترومان، على دعمها، باعتباره محط إجماع داخلى راسخ. تأبى واشنطن إلا الاحتفاظ بجهوزية دائمة لإلزام الإسرائيليين بخطوط حمر صارمة. حيث تشى مسيرة علاقتهما البينية، بنجاح الضغوط التى مارستها الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الحكومات الإسرائيلية المتتالية، فى إخضاع الأخيرة، للمشيئة الأمريكية، وإن بدرجات متفاوتة.
مستهدفا ترجمة اتفاقات الهدنة المبرمة عقب حرب عام 1948، بين إسرائيل والعرب، إلى اتفاق سلام نهائى، وبحث مصير ما يناهز 750,000 لاجئ فلسطينى شردتهم الميليشيات الصهيونية خلال الحرب؛ التأم مؤتمر لوزان فى إبريل 1949. وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، طالبت واشنطن إسرائيل بإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم. غير أن إسرائيل لم تقبل سوى بعودة عدد رمزى منهم. وردا على ذلك التعنت، صاغت وزارة الخارجية الأمريكية مذكرة، أوصت فيها الإدارة بتبنى تدابير عقابية ضد تل أبيب. وبرغم اكتفاء إدارة، ترومان، بتعطيل، وليس حجب، بقايا قرض لإسرائيل، اضطرت الأخيرة، إلى إبداء مرونة.
إبان أزمة السويس عام 1956، وفى مسعى منها لحمل القوات الإسرائيلية على الانسحاب من سيناء، نظرت إدارة، آيزنهاور، فى اتخاذ إجراءات عقابية؛ ما أجبر تل أبيب على الرضوخ. وما كادت واشنطن تمكن الجيش الإسرائيلى من تنفيذ «ثغرة الدفرسوار»، أثناء حرب أكتوبر 1973، حتى هددت موسكو بالتدخل، ما لم يحدث وقف للحرب. هنالك، خشى الأمريكيون من اندلاع مواجهة بين القوى العظمى، ومن ثم، حملوا الجيش الإسرائيلى على الالتزام بقرار وقف إطلاق النار. وردا على الموقف الإسرائيلى المتصلب فى التفاوض بشأن الانسحاب الثانى من سيناء، دعا الرئيس، جيرالد فورد، إلى وقف إرسال شحنات الأسلحة الامريكية الجديدة إلى إسرائيل. وهو ما حمل الأخيرة على الانصياع.
بعدما تحول الاجتياح الإسرائيلى للبنان عام 1982 إلى مأساة إنسانية، وضع الرئيس، ريجان، بمواجهة موجة عاتية من الانتقادات المحلية والعالمية، اضطر البيت الأبيض إلى ممارسة الضغوط على تل أبيب. حيث قرر، فى يوليو من ذات العام، وقف تزويد الجيش الإسرائيلى بالقنابل العنقودية، جراء انتهاكها اتفاق حظر استخدامها فى المناطق المدنية. وفى أبريل 1983، أعلن، ريجان، وقف بيع مقاتلات من طراز «أف 16» لإسرائيل، حتى تنسحب من لبنان. حينئذ، أرجعت صحيفة «واشنطن بوست»، ما أسمته «الاعتدال الصادم» فى سياسات الحكومة الإسرائيلية، وما وصفه الإعلام الإسرائيلى «مرونة» تل أبيب، إلى ضغوط إدارة، ريجان، الحازمة لإجبار الحكومة الإسرائيلية على تغيير سلوكها. ولم تمضِ سوى أشهر معدودات، حتى أطلق، ريجان، مبادرته الشهيرة لحل القضية الفلسطينية.
بينما بدأت واشنطن، ربيع عام 1991، حشد الدعم لعقد مؤتمر دولى للسلام بمدريد فى أكتوبر من نفس السنة، لم يتورع رئيس الوزراء الإسرائيلى، إسحاق شامير، عن مقاطعة المؤتمر، اعتراضا على مبدأ «الأرض مقابل السلام»، وفى سبتمبر من ذات العام، طلبت إسرائيل ضمانات قروض بقيمة عشرة مليارات دولار، لتمويل عمليات استيعاب وتوطين قرابة مليون يهودى سوفيتى. وفى محاولة للضغط على، شامير، طلب، بوش الأب، من الكونجرس تأخير موافقته على تلك القروض حتى سنة 1992. مهددا باستخدام حق (الفيتو) لإعاقة أى تشريعات بهذا الصدد، ابتغاء حمل إسرائيل على المشاركة فى مؤتمر السلام، وإيقاف التوسع الاستيطانى فى الأراضى المحتلة. وقد كان؛ حيث وافقت إسرائيل على حضور المؤتمر، بمشاركة وفد سورى، وآخر فلسطينى ــ أردنى مشترك، ليتم إجراء أول مفاوضات مباشرة بينهم.
تتنوع أوراق الضغط، التى تمتلكها واشنطن، حيال إسرائيل. ما بين حجب، أو تعليق المساعدات العسكرية والاقتصادية. أو إلغاء الإعفاءات الضريبية على التبرعات التى تجنيها الجماعات الموالية لإسرائيل. أو وقف المساعدات والخبرات التقنية والعسكرية، والامتناع عن مؤازرة إسرائيل فى المنظمات الدولية والإقليمية. غير أن إدارة، بايدن، وخلافا لسابقاتها، تجنبت استخدام تلك الأوراق لحمل نتنياهو على وقف العدوان الخامس على غزة. بل إنها آثرت مكافأته على تحديه إياها، بمضاعفة الدعم له، استنادا إلى تصور مفاده، أن شعور إسرائيل بالأمان والتفوق، سيجعلها أكثر مرونة. ولعلها المرة الأولى فى التاريخ الأمريكى، التى يحجم فيها البيت الأبيض عن إلزام أطراف نزاع عسكرى خارجى، يخلف آلاف الضحايا المدنيين، بوقف إطلاق النار.
بعيدا، ذهب، بايدن، الذى وصف نفسه عام 2011 بأنه «صهيونى شديد الالتزام تجاه إسرائيل»، كما تفاخر بجمع أموال لها، تفوق ما جمعه اللوبى الصهيونى «أيباك». فلقد أقدم على ما استنكف عنه أى رئيس أمريكى سابق، بزيارته إسرائيل، أثناء حربها الحالية على غزة. كما شارك أفراد من إدارته فى الاجتماعات القيادية السياسية والعسكرية، وتصرفوا كجزء من المعركة؛ بوضعهم التصورات، تقديمهم النصائح، ومنحهم الضوء الأخضر للعدوان على القطاع. وحشدت الولايات المتحدة حاملات الطائرات والغواصات النووية فى البحر المتوسط والخليج، وحذرت إيران وأذرعها العسكرية، من فتح جبهات جديدة. ومنذ السابع من أكتوبر الماضى، كثف البنتاجون شحن الأسلحة لإسرائيل، بقيمة 14.3 مليار دولار، بموازاة المساعدات العسكرية السنوية التقليدية وقدرها 3.4 مليارات دولار.
أثار الدعم العسكرى الأمريكى المباشر وغير المقيد لإسرائيل، انتقادات من لدن منظمات غير حكومية، تحمل، بايدن، مسئولية استشهاد آلاف الضحايا المدنيين الفلسطينيين. خصوصا بعدما سوغ لإسرائيل شن الهجمات العشوائية على غزة، فيما استخدمه المستوطنون فى الضفة الغربية، لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولى الإنسانى، ميثاق حقوق الإنسان، والقوانين الدولية المنظمة للنزاعات المسلحة. وطالبت تلك المنظمات واشنطن، بتضمين أحكام ملزمة وقابلة للتنفيذ، لمنع استخدام الأسلحة الأمريكية المقدمة إلى إسرائيل، لتهجير المدنيين الفلسطينيين، أو انتهاك حقوقهم، أو احتلال أراضيهم.
على استحياء، وبعد خمسين يوما من اندلاع العدوان الإسرائيلى البربرى على غزة، يتوسل، بايدن، موازنة موقفه المعوج حيال المأساة، التى هزت العالم. فإذا به يوجه بحرمان المستوطنين الإسرائيليين، الذين يمارسون العنف ضد الفلسطينيين فى الضفة، منذ السابع من أكتوبر الماضى، من الحصول على تأشيرات دخول الولايات المتحدة. وخلال اتصال هاتفى مع نظيره المصرى، أكد، بايدن، رفض واشنطن، تحت أى ظرف، تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، أو حصار القطاع، أو إعادة رسم حدوده. كما شدد الرئيس الأمريكى على التزامه بإقامة الدولة الفلسطينية. وفيما تزهو إدارته، بممارستها ضغوطا على الحكومة الإسرائيلية، لحملها على القبول بالهدنة المؤقتة، التى تضمنت الإفراج عن ثلاثة أمريكيين من بين خمسين محتجزا أطلقتهم حماس؛ يتمسك، بايدن، بدعم «وقف مؤقت للأعمال العدائية». فى حين يطالب تيار «ديمقراطيو العدالة التقدميون» داخل الحزب الديمقراطى، بتكثيف الضغط على، نتنياهو، لإجباره على تبنى «وقف دائم لإطلاق النار».
يمضى، بايدن، فى دعم، نتنياهو، بينما يهدد ما ينيف على ستة ملايين من العرب والمسلمين الأمريكيين، بعدم انتخابه مجددا؛ جراء تواطؤه مع العدوان الإسرائيلى الغاشم على غزة. وقد أظهرت أحدث استطلاعات الرأى، تراجع شعبيته، إلى 42 %، مقابل 47 % للرئيس السابق، ترامب. بدورها، ترى صحيفة «الجارديان» البريطانية أن، نتنياهو، بات يشكل عبئا سياسيا على، بايدن، إلى حد ربما يحول دون حصول الأخير على ولاية ثانية، بجريرة فشله فى لجم صلف الأول. ومن جانبها، تحدثت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن تجدد التوتر بين، بايدن، ونتنياهو، بسبب إعاقة الأخير صفقات تبادل الأسرى، رفضه فترات هدنة أطول، إصراره على تسخين جبهتى الضفة وجنوب لبنان، فضلا عن فظاعة خططه بشأن مستقبل غزة. وبالتزامن، سلطت الصحيفتان الضوء على تفاقم السخط الأمريكى والدولى على إدارة، بايدن، بجريرة عجزها عن كبح جماح، رعونة نتنياهو.

التعليقات