عنوان هذا المقال سؤال ليس من السهل الإجابة عليه! قد يقول قائل بالطبع تحل التكنولوجيا مشاكل المجتمع ألا ترى التقدم الكبير فى الأجهزة الطبية والأمصال وأساليب العلاج ألا ترى التقدم الكبير فى وسائل المواصلات.. إلخ.
وفى الناحية الأخرى تجد من يترحم على الأيام الخوالى حين كانت الأسرة تجتمع على مائدة الطعام ويتبادلون أخبارهم بدلاً من أن يكون كل منهم مشغولاً بالنظر إلى صفحته على الفيسبوك أو مشاهدة فيديو على اليوتيوب بل إن التكنولوجيا قد تكون سبباً فى تدمير العالم ألا ترى الأسلحة المميتة الموجودة حاليا؟ ألا ترى تفشى الأخبار المزيفة والإشاعات فى وسائل التواصل الإجتماعى محدثة خرابا كبيرا؟
وقد يأخذ ثالث جانب الحذر ويقول أن التكنولوجيا أداة نستطيع أن نستخدمها لحل المشاكل أو نستخدمها لإحداث المشاكل!
وهنا يأتى السؤال الذى نحاول الإجابة عنه: ماهى المشكلات التى يمكن أن تُحل باستخدام التكنولوجيا؟ وهذا أيضاً ليس بالسؤال السهل فقد بدأنا الحديث سابقا عن عالم التكنولوجيا وعلاقته بالعلم ثم تحدثنا فى مقال آخر عن تأثير التكنولوجيا على سوق العمل، بعد قراءة المقال هل تستطيع أن تحدد إذا ما أثرت التكنولوجيا سلباً أو إيجاباً على سوق العمل؟ هنا نجد أن مدى تأثير التكنولوجيا يعتمد على رد فعل المجتمع... كيف ذلك؟
أولاً يجب أن نعترف أن التكنولوجيا بحد ذاتها لا تستطيع حل المشكلات المجتمعية فالتكنولوجيا مثلاً لا تستطيع حل مشكلة الفقر أو التفاوت الكبير فى معدلات الدخل، مثلاً فى العقود الخمس الماضية ظهرت الإنترنت ومحركات البحث وشبكات التواصل الإجتماعى والتليفونات المحمولة ... إلخ وقد ظهرت كلها تقريباً فى الولايات المتحدة الأمريكية ومع ذلك ظلت معدلات الفقر هناك تتأرجح مابين 13% -15% حسب مقال شيق يدعو للتفكير كتبه رئيس تحرير مجلة ACM Communications فى العدد الصادر فى يناير 2017.. وهذه المجلة تتبع رابطة أجهزة الكمبيوتر (Association of Computing Machinery) وهى واحدة من أهم المؤسسات فى العالم فى جميع مجالات الحواسب الآلية، المقال المشار إليه أعلاه يناقش كيفية استخدام التكنولوجيا بأفضل وسيلة ممكنة لخدمة البشر، وأعطى معدلات الفقر فى أمريكا كمثال لمشكلة لم تستفد من التقدم التكنولوجى، فلماذا لم تقدم التكنولوجيا العون هنا؟
المشكلة تكمن فى إعتقاد الكثيرين أن التكنولوجيا هى الحل وهذا خطأ، التكنولوجيا مجرد أداة أو عامل مساعد، إذا أردنا أن نحارب مشكلة تفاوت الأجور أو معدلات الفقر يجب أن نسأل: ماهى مسببات هذه المشكلة؟ هل هو الفساد؟ هل تردى التعليم هو المشكلة؟ فإذا كان الفساد فكيف يمكن استخدام التكنولوجيا لتقليل الفساد؟ كيف يمكن استخدام التكنولوجيا لتحسين العملية التعليمية؟ وهكذا.
إذا الخطوة الأولى لحل مشكلة مجتمعية غالباً ستحتاج علماء إجتماع وعلماء نفس أولاً، مثلاً إذا كان تردى التعليم أحد أسباب إزدياد معدلات الفقر نتيجة البطالة (لن يوظف صاحب عمل شخصاً لا يفهم فى التخصص المطلوب مثلاً) فعلم النفس سيقول لنا أن الجيل الحالى قلت قدرته على الحفظ لإنتفاء الحاجة إليه وقلت قدرته على التركيز لإنتشار شبكات التواصل الإجتماعى التى لا تحتاج إلا إلى القراءة السريعة لسطور قليلة وهذا معناه أن العملية التعليمية تحتاج أن تتغير لتوائم هذه التغيرات فى الأجيال الجديدة وهذا يأتى قبل حتى تغيير محتوى المناهج، هنا يأتى دور التكنولوجيا التى تعطى المعلومة عن طريق محاضرات قصيرة يستطيع الطالب أن يستمع إليها ويعيدها متى إحتاج إلى ذلك وعن طريق برامج كمبيوتر تعطى الطالب أسئلة تتدرج فى صعوبتها متى جاوب الطالب الإجابة الصحيحة ثم تحدد الموضوعات التى لم يفهمها الطالب وتشرح له وتجاوب على أسئلته ثم تسأله مرة أخرى وهكذا ... هذا الطريقة الجديدة فى التعليم قد لا تلقى قبولاً أول الأمر من المجتمع الذى تعود على إمتحانات تقليدية وأسرة تهتم فقط بالدرجات "لأننا بلد شهادات" ... هنا يأتى دور علماء الإجتماع لتوعية الأسرة والمجتمع... إذا لكى تساعد التكنولوجيا فى حل مشكلات المجتمع تحتاج أولاً مجتمع مستعد للتقدم (مستعد للتقدم وليس راغباً وحالماً بالتقدم وكفى!) وهذا لا يتأتى إلا بمساعدة علماء الإجتماع والتربية وعلم النفس.. إلخ.
يقول كينتارو توياما (Kentaro Toyama) وهو عالم يابانى متخصص فى علوم الحاسبات وباحث فى تأثير التكنولوجيا على التقدم المجتمعى فى كتابه (Geek Heresy: Rescuing Social Change from the Cult of Technology) أو "إنقاذ التغيير المجتمعى من عبودية التكنولوجيا" والمنشور فى عام 2015 أننا نحتاج إلى بناء المجتمع أولاً وبناء الإنسان قبل بناء التكنولوجيا، كثير من الدول لديها تكنولوجيا متقدمة وشعوب متأخرة!
فيا علماء الاجتماع وعلماء النفس تقدموا!