كيف نقنع الموظف الصغير بأن المستثمر ليس عدو الوطن؟! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:56 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف نقنع الموظف الصغير بأن المستثمر ليس عدو الوطن؟!

نشر فى : الأحد 28 مايو 2023 - 8:30 م | آخر تحديث : الأحد 28 مايو 2023 - 8:30 م

صباح الخميس الماضى، وقبل أن ندخل قاعة الاحتفال بافتتاح مجمع إنتاج الكوارتز فى العين السخنة تحدثت مع اثنين من رجال الأعمال الصناعيين حول كيفية إزالة المعوقات عن الاستثمار فى هذا المجال شديد الحيوية. وأظن أنه ما من حوار بين رجال الصناعة هذه الأيام إلا يدور حول هذا الموضوع.
من قبيل التكرار القول بأن مصر فى أشد الحاجة إلى أى استثمار فى مجال الصناعة، لأنه ببساطة سيوفر فرص عمل حقيقية، ويوفر دولارات نستورد بها هذه السلع من الخارج، وقد يؤدى إلى تصدير بعض هذه المنتجات وبالتالى يكون النفع مضاعفا.
السؤال: أين تكمن المشكلة، ولماذا نظل نتحدث عن هذا الموضوع طوال سنوات، لكن لا نجد تغييرا حقيقيا على أرض الواقع كما يقول العديد من كبار رجال الصناعة؟
الموكد أن غالبية كبار المسئولين وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسى يؤكدون ليل نهار على ضرورة دعم الاستثمار والمستثمرين. لكن من الواضح أن بعض الموظفين الصغار والكبار متسلحين بالروتين والبيروقراطية يتفنون فى تعطيل الاستثمار بطرق مختلفة سواء تم ذلك بحسن أو سوء نية، لا فرق لأن النتيجة واحدة فى كل الأحوال.
مستثمر كبير وبرلمانى سابق شغل مناصب متعددة قال لى: «إنه يلمس بوضوح رغبة الرئيس فى تشجيع المستثمرين، لكن المشكلة تكمن فى ذلك الموظف الصغير الموجود فى هيئات ومؤسسات ووزارات مختلفة، وهو يعتقد أن العناية الإلهية أرسلته لحماية الوطن من هؤلاء المستثمرين الخونة الذين لا هدف لهم إلا نهب البلد»!!!
كلام هذا المستثمر صحيح إلى حد كبير لأن معظم وسائل الإعلام وطوال عقود طويلة نجحت بمهارة فى تصوير رجال الأعمال باعتبارهم لصوصا وسارقين للمال العام وبالتالى انتقلت هذه الصورة من الإعلام إلى الدراما وسائر الفنون، ولم يكن غريبا أن تكون صورة رجل الأعمال والمستثمر فى المسلسلات والأفلام هى اللص والمتهرب من سداد حقوق الدولة خصوصا الضرائب، وقلة هى الأعمال الفنية التى أنصفت رجال الأعمال فى هذا الصدد.
هل معنى كلامى السابق أن جميع رجال الأعمال ملائكة يحلقون بأجنحة فى سماوات الشرف والفضيلة والرحمة؟!
الإجابة هى: لا، والمؤكد أن هناك نماذج شديدة السوء أساءت إلى مهنة الأعمال ونهبت وسرقت المال العام والخاص وساهمت فى تعطيل التقدم، لكن المؤكد أن هذه الفئة قليلة، فى حين أن هناك نماذج كثيرة جدا تعمل فى صمت وأقامت مصانع ووفرت فرص عمل كثيرة للملايين وأنتجت سلعا يحتاج إليها المجتمع وصدرت للخارج ووفرت دولارات وعملات صعبة متنوعة. وهؤلاء هم الذين يوظفون أكثر من ٢٥ مليون مصرى فى حين أن القطاع الحكومى بأكمله لا يوظف إلا أقل من خمسة ملايين.
صورة رجل الأعمال اللص رسخت فى أذهان وجدان كثير من المصريين البسطاء، وصارت هى الصورة النمطية، وبالتالى فإن تصحيحها وتغييرها يحتاج إلى وقت وجهد حقيقى من الجميع من أول وسائل الإعلام والفنون نهاية بموقف الحكومة، حتى تصل صورة رجل الأعمال الشريف إلى غالبية الناس. وأن يكون القانون هو الحكم الوحيد على رجل الأعمال الفاسد أو اللص، وأن يردعه بأشد العقوبات الممكنة حتى يكون عبرة لغيره.
والمؤكد أن هناك حاجة لبرامج حكومية وخاصة متنوعة لتثقيف الموظفين الصغار والكبار فى المصالح الحكومية المختلفة خصوصا المرتبطة بالاستثمار بأن تزيدهم وتشددهم فى عرقلة عمل المستثمرين، يدفع ثمنه المجتمع بأكمله، ويؤدى إلى مزيد من التأخر والتخلف.
وأرجو أن يكون كلامى السابق واضحا جدا بأنه لا يقصد من قريب أو بعيد التساهل والتسيب فى إهدار حقوق الدولة، أو مجاملة المستثمرين خارج نطاق القانون، وشرط أن تكون القوانين أيضا مشجعة ومحفزة للمستثمرين بما يفيد المجتمع بأكمله.
ومن حسن الحظ وبعد انتهاء المحادثة مع رجل الأعمال دخلنا إلى القاعة وخلال افتتاح مجمع إنتاج الكوارتز تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى وقال كلاما واضحا محددا، حيث خاطب الحكومة فى حضور رئيسها الدكتور مصطفى مدبولى بضرورة إزالة جميع المعوقات أمام المستثمرين المصريين والأجانب للاستفادة من جميع الفرص التى تتيح زيادة الإنتاج والتصدير والحد من الاستيراد. وكرر الرئيس الدعوة للقطاع الخاص للمشاركة فى مشروع الكوارتر وغيره من المشروعات التى تقيمها الدولة. وأكد الرئيس أن ما يتم افتتاحه من مشروعات متاحة للمستثمرين المصريين والأجانب فى البورصة لمساعدة المواطنين على الاستثمار فى فرص لها عائد جيد.
كلام الرئيس أكثر من جيد والمطلوب من الحكومة أن تترجمه على أرض الواقع وأن تقنع موظفيها بأن غالبية المستثمرين ليسوا أعداء الوطن بل هم الذين يبنون المصانع ويوفرون السلع وفرص العمل للناس.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي