نشر موقع Eurasia Review مقالا للكاتب Dave Lindorff تناول فيه ما تطمح إليه إدارة ترامب فى شن حرب على إيران. ويتحدث الكاتب عن الدور السلبى للإعلام الأمريكى فى عدم تثقيف الشعب الأمريكى بتاريخ قرارات رؤساء الولايات المتحدة بشن هجمات مسلحة أدت إلى هدر العديد مه الأرواح. ويقول الكاتب إنه ليس من حق الولايات المتحدة شن حرب على إيران وإذا قامت بذلك ستعتبر جريمة حرب.
يقول مستشار الأمن القومى جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو للرئيس ترامب إن لديهم دليلا على أن إيران فجرت ثقوبا فى ناقلتين نفطيتين فى مضيق هرمز الذى يربط الخليج الفارسى ببحر العرب، ومن ثم يشير تقرير نشر فى «The Jerusalem Post» وقبلها فى «The Newsweek magazine» أن إدارة ترامب تخطط مع البنتاجون فى شن هجوم صاروخى مكثف على محطة تكرير اليورانيوم الرئيسية فى إيران.
هناك الكثير من هذه التقارير المثيرة التى طرحها الإعلام الأمريكى، مع وجود بعض المؤسسات الإخبارية تتحدث بحماس حول الفكرة، ولكن نقاشهم حول الموضوع يدور حول التساؤل ما إذا كان سيثبت أن إيران وراء هذا الهجوم أم لا أو حول ما إذا كانت إدارة ترامب ستشن حربا ضد إيران بدون موافقة الكونجرس أم لا.
يقول قادة الدول الأوروبية باستثناء بريطانيا إنه ليس هناك دليل على تورط إيران فى هذا الهجوم، والكثير من المؤسسات الأمريكية توافق على هذا. إلى جانب اليابان التى كان قائدها فى إيران يقوم بزيارة للقادة الإيرانيين وقت حدوث الهجوم ــ التى تبدو وكأنها استراتيجية إيرانية.
ولكن لا يوجد أى من هؤلاء، سواء من يؤيدون أو من يعترضون على هجوم الولايات المتحدة على إيران، من يطرح السؤال حول ما إذا كان يحق للولايات المتحدة شن حرب على إيران إذا لم تكن إيران تمثل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة أو مصالحها أو حلفائها التى تتعهد الولايات المتحدة بحمايتهم. والجواب عن هذا السؤال هو حتما: «لا»، لا يحق للولايات المتحدة شن حرب.
***
لم ترتكب إيران» هجوما مسلحا «على الولايات المتحدة من شأنه أن السماح باستخدام حق الدفاع عن النفس المنصوص عليه فى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. لذلك فى ظل الظروف الحالية، يعتبر هجوم الولايات المتحدة العسكرى على إيران عدوانا مسلحا وجريمة كما هو منصوص عليه فى دليل الجيش الأمريكى الميدانى 27 ــ 10 (1956) والذى مازال مفعوله ساريا وملزما. كما أن إدارة ترامب لا تملك تفويضا من كونجرس الولايات المتحدة لشن حرب ضد إيران، وبالتالى فإن الهجوم على إيران ينتهك دستور الولايات المتحدة وقرار الكونجرس بشأن صلاحيات الحرب.
لا تملك إيران قوات بحرية يمكنها تهديد الولايات المتحدة، وليس لديها جيش أو طائرات أو صواريخ يمكنها الوصول إلى أراضى الولايات المتحدة. ولا تهدد أيضا الدول التى لا ترغب الولايات المتحدة فى رؤيتها تتعرض لهجوم ــ الدول الغنية بالنفط فى الإمارات والكويت والمملكة العربية السعودية ــ وعلى أى حال الولايات المتحدة ليس المفروض عليها الدفاع عن هذه الدول. حتى إنها لا تحتاج، كدولة مصدرة للنفط، إلى أىٍّ من نفط تلك البلدان. يمكن لإيران أن تطلق صواريخ تصل إلى إسرائيل، لكن بما أنها لا تمتلك أسلحة نووية، مثل هذه الصواريخ يمكنها فقط أن تلحق أضرارا قليلة.
وإذا كان هذا هو الحال، فإن الطريقة الوحيدة التى يمكن بها للولايات المتحدة مهاجمة إيران بشكل قانونى، حتى لو أرادت شن هجوم ردا على هجوم إيران على الناقلتين فى مضيق هرمز غير المثبت منه، هو اتباع تصويت أمنى للأمم المتحدة يؤيد هذا الهجوم أو الغزو. ولن تحصل على مثل هذا التصويت بسبب حق الفيتو التى تمتلكه روسيا والصين.
إن مهاجمة إيران فى ظل الظروف الحالية، حتى إذا تمكنت الوليات المتحدة من إثبات أن الناقلة فى المضيق قد تضررت بسبب الألغام أو الصواريخ الإيرانية، ستكون جريمة حرب من أعلى المستويات، وسيتم اعتبارها «جريمة ضد السلام» أقرب إلى ما قام به هتلر بالهجوم على بولندا أو هجوم اليابان على بيرل هاربور.
بالطبع، إذا هاجمت إيران سفينة أمريكية فى المياه الدولية أو دبرت هجوما إرهابيا على مواطنين أمريكيين أو جنود أمريكيين فإن الصورة ستتغير، لكن هذا لم يحدث ومن غير المرجح أن يحدث.
مجرد احتمال أن إيران قد تنتهك الاتفاق النووى الذى وقعته مع 6 دول آخرين لا يبرر أيضا شن الولايات المتحدة هجوما عليها. هذا لأن: ــ أولا ــ الإنتاج المفرط من اليورانيوم المخصب لا يعنى أن إيران قادرة على امتلاك قنبلة نووية قريبا. ثانيا: لأن الولايات المتحدة قد انسحبت بالفعل من الاتفاق الذى تم التفاوض عليه خلال إدارة أوباما والذى وضع تلك القيود على ما يمكن لإيران أن تفعله. من الواضح أن إيران لم تعد ملزمة بهذا الاتفاق لأن الولايات المتحدة ــ وهى طرف رئيسى فيها ــ قد انسحبت.
***
فيما يتعلق بالقانون الدولى، فإن الأمر واضح: ليس للولايات المتحدة الحق فى مهاجمة إيران، وإذا قام أى شخص بذلك سواء كان جنديا أو بحارا أو طيار امن الذين يقومون بالهجوم المباشر أو كان من القادة أو السياسيين الذين يوجهون تعليماتهم بشن الهجمات سيكونون مجرمى حرب.
ونحن ــ الأمريكيين ــ سمحنا لجيشنا وساستنا بالقيام بجرائم حرب دون توجيه الاتهامات إليهم. وبالتالى يعتبر الأمريكيون مذنبين بنفس درجة «الألمان الطيبين» و«اليابانيون الطيبين» والإيطاليون الطيبين» الذين سمحوا لقادتهم بشن هجمات عدائية أدت فى النهاية إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية.. فهم سمحوا للمجرمين بإدارة بلدهم.
يجب القول إن أمريكا وقادتها كانوا جميعا مجرمى حرب. هذا صحيح ابتداء من هارى ترومان (قنبلتا هيروشيما ونجازاكى الذريتان) إلى دوايت أيزنهاور (معسكرات الموت لأسرى الحرب فى أوروبا والتفجير المكثف لكوريا الشمالية والموافقة على غزو كوبا المدعوم من الولايات المتحدة) إلى جون كينيدى (غزو خليج الخنازير فى كوبا وغيرها من عمليات التخريب التى قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية هناك) إلى ليندون جونسون (غزو فيتنام والقيام بعملية لاينباكر 2 وبرنامج فينيكس للقتل الجماعى والاغتيال وغزو جمهورية الدومينيكان) وريتشارد نيكسون (قصف السدود والمدارس والمستشفيات فى شمال فيتنام، وشن الحرب الجوية على كمبوديا ولاوس) إلى جيمى كارتر (الحرب السرية على أفغانستان، ودعمه كقائد لقوات الأمم المتحدة فى كوريا الجنوبية لمذبحة المدنيين فى انتفاضة جوانجو) إلى رونالد ريجان (غزو جرينادا، وتسليح وتمويل جيش لغزو نيكاراغوا من هندوراس، وتوريد مكونات غاز الأعصاب إلى العراق) إلى جورج إتش دبليو بوش (حرب الخليج التى بدأت بادعاءات مزيفة بغزو عراقى وشيك للمملكة العربية السعودية، إلى جانب غزو بنما) إلى بيل كلينتون (الحرب على صربيا وكوسوفو، والحرب على العراق فى شكل فرض منطقة حظر طيران وفرض عقوبات تشل الحصول على عناصر ضرورية مثل الكلور لتنقية المياه) إلى جورج دبليو بوش (الحرب على العراق وأفغانستان)، وبالطبع باراك أوباما (الحروب غير الشرعية المستمرة فى العراق وأفغانستان، وحروب الطائرات بدون طيار ضد باكستان وأفغانستان والسودان واليمن).. فكلهم كانوا مجرمين حرب. وهذا بالفعل ينطبق على ترامب لاستمراره وتوسيعه للحروب فى سوريا وأفغانستان، وهجومه على اليمن، واستمراره فى شن حروب الطائرات بدون طيار على البلدان الأخرى.
هذا يعنى أننا يجب أن نتحمل مسئولية جرائم قادتنا المنتخبين. وهذا يعنى بالتأكيد أننا يجب أن نتحرك الآن لمنع جريمة حرب كبرى قد يرتكبها هذا الرئيس الـ«مجرم حرب» الذى شن بالفعل الحرب فى سوريا، بما فى ذلك ضربات توماهوك الصاروخية. يجب ألا نسمح لترامب ومستشاريه مجرمى الحرب جون بولتون ومايك بومبو بشن حرب إجرامية أخرى ضد إيران.
الخطوة الأولى هى أهمية معرفة الشعب الأمريكى أن مهاجمة إيران ليس حق لهم. ولكنها ستعتبر استمرارا لممارسات أمريكا الموجودة منذ عقود طويلة التى جعلت من الولايات المتحدة أكثر دولة مجرمة مسئولة عن مقتل أكثر من 20 مليون شخص منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ــ ما يقرب من نصف مليون منذ 9/11/2001. وفقا لمشروع جامعة براون لحساب تكاليف الحرب.
هذه هى المعلومات التى يظل الشعب الأمريكى جاهلا بها إلى حد كبير بسبب ما يقوم به الإعلام الأمريكى من تشجيع لمثل هذه الجرائم.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغني
النص الأصلي