عندما تنتشر الخرافة ينكسر حلم التقدم - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:01 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما تنتشر الخرافة ينكسر حلم التقدم

نشر فى : الجمعة 28 أغسطس 2020 - 8:45 م | آخر تحديث : الجمعة 28 أغسطس 2020 - 8:45 م

نشر موقع قنطرة مقالا للكاتب "خالد الخميسي" يتحدث فيه عما تمارسه المجتمعات العربية نفسها من قمع لحرية التعبير والفكر وتدخل الأفراد في شئون الآخرين... نعرض منها ما يلي.

هل يمتلك الصحفي الحرية أن يكتب ما يشاء من أفكار لا تتناقض مع احكام القانون؟ هل يستطيع الكاتب أن يعبر بحرية عن حزمة الأفكار التي يتصور أنها المناسبة لتقدم بلاده؟ هل يمكنه التمتع بالمادة التاسعة عشر من الإعلان العالمي للحقوق الإنسان التي تنص على أن "أن لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود؟"
سوف يتجه فكر من يقرأ هذه الأسئلة إلى آليات القمع السياسي والقانوني والقضائي وأحيانا بعض المواد الدستورية، ولكنني سوف أتحدث هنا عن القمع المجتمعي في منطقتنا العربية.
ولأبدأ بإجابة بسيطة وقاطعة لهذه الأسئلة.
هذه الحرية ليست مكفولة للكاتب الجاد.
فعلى الرغم من أن الجميع يتشدق بدفاعه عن الحرية، إلا أنه يبدو لي أن الأغلبية من العرب يدافعون بشراسة عن وجود آليات رقابية سياسية على إبداع الفنانين والكتاب.
والسؤال: كيف وصل بنا الأمر إلى أن يكون الناس هم أداة من أدوات القمع في المجتمع؟ ما هي أدواتهم للقمع؟ من الذي دربهم على ممارسة القمع؟ ما الأفكار التي تشكل الإطار الفكري لممارستهم القمع؟
يمكن أن نصف المجتمعات العربية في العموم أنها مجتمعات محافظة. أي أنها مجتمعات تعمل على الحفاظ على المؤسسات التقليدية في المجتمع، تدعم الاستقرار، وتدافع عن التسلسل الهرمي وليس المساواة، تنظر بعين الريبة للابتكار. وتمنح أولوية لمفهوم النظام، تساند التوزيع القائم للثروة والمكانة الاجتماعية.
هذه المجتمعات تدعم أيضا تدخل أفرادها في شؤون الآخرين، والحكم الأخلاقي على تصرفاتهم. وفي معظم الأحيان يقوم الأقل تعليما والأكثر رجعية بالتدخل السافر في حياة من حوله.
ويرجع البعض هذا التدخل السافر إلى فهم هؤلاء لعقيدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإدراكهم لمعنى الحديث الشريف: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف إيمان"، دون فهم لمن يتدخل بقدرته على تحديد ماهية ما هو منكر.
وأخيرا يكرر أبناء المجتمعات المحافظة كلمة هوية، ويفترضون أن هذه الهوية المجتمعية هي هوية ثابتة لا تتغير، وأن أي مساس بها يعني غرق السفينة، وتصدع الصرح، وانحلال القيم.
ومع تعاظم مد تيارات الإسلام السياسي منذ نهاية السبعينيات، لم يعد تدخل بواب العمارة في سلوك سكان شقة الدور الرابع كافيا، فبدأت كتائب المحامين التابعين لهذا التيار يرفعون القضايا ضد أي كاتب يكتب على غير هواهم.
ثم بدأت الكتائب الالكترونية التي تأسست في التسعينيات من القرن العشرين تلعب دورا هاما في تعليم القراء كيفية أداء أدوار قمعية ضد كل الأفكار الجديدة، والتهجم على الحريات والإبداع. كانت الصحف قد أسست حينها مواقع إلكترونية تنشر من خلالها المقالات مع إمكانية كتابة تعليقات من القراء.
كان دور هذا العامل في هذه الكتائب هو البحث عن أي رأي مخالف لما يعتقد، ثم يمطر الكاتب بعشرات وأحيانا مئات التعليقات، أغلبها الاتهامات وتلفيق شبكة من الأكاذيب العجيبة حول الحياة الشخصية للكاتب. فيمكن اتهامه أن والده كان مجرم حرب، وأن والدته كانت راقصة تهدد قيم المجتمع. لا يهم على الإطلاق مدى فجاجة الأكاذيب أو بعدها التام عن الممكن. ولكن المهم هو تلويث سمعة الكاتب الذي يتجرأ على كتابة نص من منظور جديد.
وأمام عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من التعليقات الالكترونية أجد اليوم هذه النوعية من الأسئلة والتعليقات طرحها وكتبها ناس عاديين لا علاقة لهم بالعمل السياسي أمام مقال يطرح جديدا: هل أنت متخصص في الموضوع؟ من الواضح أنك شخص يسعى إلى الشهرة. هل تنفذ أوامر خارجية في مقابل المال؟ هل تزدري الدين الإسلامي؟ أنت تهدد قيم المجتمع الراسخة. ما تكتبه يمكن أن يهدد الأمن القومي العربي. هل لديك بدائل محددة أم أنك تنتقد لمجرد الانتقاد؟ هل لديك حلول عملية يمكن تطبيقها؟ ما هو مصدرك؟ أأنت عنصري؟ أأنت ملحد؟
ويلجأ الكثيرون إلى مصطلح "أجندة"، الذي أصبح من المصطلحات الرائجة المحبوبة في العشر سنوات الأخيرة ليقولوا لك: أنت تتبع أجندة أجنبية. أو ما هي "أجندتك"؟
نحن هنا أمام ترسانة شبه جاهزة من الجمل والأسئلة دورها الرئيسي كبح خيال أي كاتب ومنعه من تقديم أفكار طازجة.
ماكينة مجتمعية جادة لتكميم الخيال تعمل بكفاءة في عصر اللا كفاءة. وأجد نفسي أمام المعضلة التي طرحها "كانط"، أنه أمام تقليص حرية التعبير هناك تقليص في حرية التفكير. ومن هنا يمكننا فهم الوضع المزري الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية لو فهمنا الحدود الحديدية وقص أجنحة خيال التفكير والابتكار الذي يتعرض له كل من يعيش في منطقتنا العربية.
وهنا نجد الاحتفاء والتهليل لكل ما هو تافه وسطحي، وكل نص لا يتعرض بجدية للأفكار الكبرى. وفي الوقت الذي تنتشر خلاله النصوص المروجة للخرافة ينكسر حلم التقدم.
النص الأصلي
https://bit.ly/31z6DQI

التعليقات