يعول على التحالفات الدولية فى التعاطى الجاد مع الأزمات والإشكاليات الدولية، وربما يُنتظر عقد القمم والتى تضم مثل هذه النوعية من التحالفات، للوقوف على التوصيات المهمة والتى من شأنها إلزام الدول الكبرى من أجل ما تعهدت به ومن ثم الوفاء بالتنفيذ الفعلى لهذه التعهدات، تأتى قمة العشرين فى مقدمة القمم والتحالفات، والتى يعتد بها فى تناول مختلف القضايا والإشكاليات المُلحة، بدليل انفتاحها على معظم الملفات سواء سياسية، اقتصادية أو حتى مجتمعية وبيئية، غير أن اعتبارها قمة الكبار أو حتى كما تُلقب بقمة الأثرياء، على خلفية إنتاج أعضائها ما يمثل 80 بالمائة من حجم التجارة العالمية، أما مجموع سكان دولها فتخطى ثلثى سكان الكرة الأرضية، ما أكسبها طبيعة اقتصادية وديموجرافية من نوع خاص، وعن القوة السياسية، فدون أدنى شك اكتسبتها جراء الثقل السياسى للدول المُشكلة لها، كونها تضم الكبار.
ومع خروج القمة والتى انتهت الأسبوع الماضى، بمجموعة من التوصيات جاء أهمها التركيز على الصراع الدائر سواء فى غزة أو الجنوب اللبنانى، أيضا تأكيد الاتحاد بشأن ضرورة وقف إطلاق النار، بناء على قرارات المؤسسات الأممية تحديدا مجلس الأمن، مع تكثيف المساعدات الإنسانية وحماية السكان المدنيين، وبحسب البيان الختامى «نحن متحدون فى دعم وقف شامل لإطلاق النار فى غزة، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولى الرقم 2735، وفى لبنان بما يمكن المواطنين من العودة بأمان إلى منازلهم على جانبى الخط الأزرق الذى يقوم مقام خط الحدود بين إسرائيل ولبنان«، «إننا وإذ نعرب عن قلقنا العميق إزاء الوضع الإنسانى الكارثى فى قطاع غزة والتصعيد فى لبنان فإننا نؤكد على الحاجة الملحة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية وتعزيز حماية المدنيين».
توقعنا أن يتم انتهاج آليات التنفيذ، أو على الأقل بدء التحركات وبما يصب فى التسكين ولو الجزئى للحروب الدائرة، لنطالع باستعمال الولايات المتحدة لحق الفيتو، ضد قرار لمجلس الأمن الدولى بالوقف الفورى وغير المشروط والدائم أيضا لإطلاق النار فى غزة، فى محاولة من واشنطن ومسعى لتصدير قناعة مفادها أن أية معادلة سلام سيتم صياغتها فى الأفق هى منحة وهبة من الولايات المتحدة، وليست تماشيا مع القوانين والأعراف الدولية، ناهينا عن الاتجاه الأخير والذى يعتمده الديمقراطيون مؤخرا، بعرقلة مسيرة الجمهوريين، وإن أكدوا التسليم السلمى للسلطة! والأقسى أن تأتى تصريحات نائب سفير أمريكا للولايات المتحدة، والمشيرة إلى ربط وقف إطلاق النار بتحرير الرهائن، مؤكدا على صعوبة دعم وقف إطلاق النار، فى نية واضحة على تجريد الفلسطينيين من أية أدوات أو إمكانات تؤهلهم للمفاوضات أو ممارسة الضغوط.
ربما لم تكن المؤسسات الأممية ببعيدة عن توصيات هذه القمة حيث تمت المطالبة والتوصية بانتهاج أصول الحوكمة العالمية وما تقتضيها من إصلاح هذه الموسسات الدولية وتحديثها، وبما يعزز الحوكمة العادلة والفعالة، كأن يتم إجراء التعديلات على ميثاق الأمم المتحدة وجعله مواكبا والتغيرات الجيوسياسية على المستويين الإقليمى والدولى، أيضا العمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة لدعم فعاليتها وجدواها، ومع ذلك فما أن مارست المحكمة الجنائية الدولية دورها كمؤسسة أممية ودولية، تملك الحق فى الفصل فى النزاعات وتحديدا إدانة الأشخاص، وعليه أصدرت مذكراتها باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وهو ما لم يقبل به الكبار، مشككين فى مواقفها، وكالعادة تبادر الولايات المتحدة بتقويض دور المؤسسات الأممية وخلخلة مواقفها، وربما فى ازدواجية واضحة للمعايير، وهى التى قبلت بما أصدرته المحكمة بشأن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، على خلفية اتهامه بما يجرى بحق أوكرانيا، غير أن واشنطن والتى ارتأت أفضلية انتهاج التوازنات فى الصراع الدائر بغزة، قررت ترك نتنياهو يعبث بأمن الفلسطينيين، ليقرر قائد دولة الاحتلال إقامة وضع جديد عبر التوسع فى المستوطنات وضم أجزاء من الضفة، مع التحرك تجاه إقامة حكم عسكرى على غزة، ومن ثم إلزام الرئيس الأمريكى الجديد، البناء على ما هو قائم، فى اتجاه إلى فرض الأمر الواقع، وهو ما حذرنا منه مرارا، بخطورة التعويل على ترامب، فقد يأتى بمعادلة سلام، لا تتفق والرؤية الفلسطينية ــ العربية.
تبرز أكثر سلوكيات الكبار فى التصعيد الكارثى، والذى قد ينذر بمواجهة عالمية ثالثة -وإن كانت احتمالاتها بعيدة- حيث لأول مرة تسمح واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى أو ما تعرف بالصواريخ التكتيكية، فى ضرباتها ضد روسيا، فى اعتراض واضح على مشاركة قوات كوريا الشمالية، ومن ثم تعاود روسيا التلويح باستخدام السلاح النووى، والبداية بإطلاقها لصاروخ عابر القارات، وكله عقب أقوى قمة جاءت أهم مخرجاتها تسكين الصراعات وإحداث حالة متكاملة من التنمية المستدامة للارتقاء بجودة حياة الشعوب وتعزيز الاستقرار والسلام.
أخيرا تبرز الإشكالية فى سلوكيات الكبار من الدول المشكِّلة لهذه التحالفات والمساهمة أيضا فى إنشاء هذه الأجهزة والمؤسسات الأممية، فنظريا تملك هذه الدول إحداث حال من الحوكمة المتكاملة عبر تقويم وإصلاح سواء المؤسسات الدولية أو حتى تعزيز فعالية وجدوى التحالفات العالمية، كونها المشكلة والفاعلة داخل هذه المؤسسات ولهذه التحالفات والممولة أيضا، وعمليا يبدو أن مثل هذه الدول انتوت مصالحها ولم تعد تعبأ، أو من الأساس تناست الأدوار المنوط لها القيام بها، من واجبات ومسئوليات، تلك والتى شكلتها من الأساس رغبتها فى القيادة، مكتفية بالبيانات وما تحويه من توصيات ومخرجات رسمية، إلا أن استمرارية وتوالى هذه الإخفاقات، قد يدفع بالعديد من التغيرات الجيوسياسية المناهضة والكفيلة هى الأخرى بالتقويض القيمى للكبار أنفسهم.