هذا هو السؤال الذى ينتهى أو يبدأ به كل نقاش يجمعك بأصدقاء على القهوة، أو حتى أشخاص لا تعرفهم وإن كانوا مثلك مهمومين بالشأن العام، مكروبين لما آل إليه حال البلاد والعباد، بعد عامين من ثورة أملوا أن تشهد حياتهم بعدها دفعة للأمام، فإذا بها ترتد عقودا إلى الخلف.
السؤال يتردد بقوة وفى أوساط وشرائح عدة، ليس بينهم بالطبع أعضاء الجماعة وتابعوهم وموالوهم، فهم على العكس من غالبية المصريين سعداء بانجازات الرئيس، مبهورون بأدائه، يؤلفون فيها كتبا ويصنعون لها أفلاما، ومثلهم رئيسهم، الذى ينكر كل أزمة، ويتجاهل كل نقيصة، ويبدو كأنه يسبح فى فضاء آخر، بصحبة مرشده وشاطره وإرشاده، فالأمور كما يرونها تسير على ما يرام، كما خططوا ودبروا، أما الحديث عن التوترات والاحتقانات والاحتجاجات، فليس سوى مؤامرات «حارة مزنوقة» و«صباعين ثلاثة بيلعبوا فى البلد».
لو أنصف حكماء الإخوان ــ إن وجدوا ــ لتساءلوا عن سر انخفاض شعبية الجماعة وحنق الناس عليهم وتطلعهم إلى يوم ينزاح كابوسهم من فوق صدورهم، وقد كانوا من قبل، يتعاطفون معهم، وينظرون إليهم باعتبارهم «ناس بتوع ربنا»، تعرضوا لظلم واضطهاد شديد طوال عصر مبارك، ويستحقون الآن فرصة لإثبات جدارتهم وتطبيق مشروعهم.
هكذا انتقلت الجماعة المحظورة المضطهدة من الخفاء إلى العلن، من أقبية العمل السرى الكتوم الحذر، إلى الفضاء السياسى الرحب، بأنواره وفضائحه ومكاشفاته وإعلامه، واعتلى واحد من أقطابها عرش المحروسة، حتى وإن جاء بإرادة عاصرى الليمون، وبأغلبية لا تتجاوز 2 %..
ألجمت الناس المفاجأة، فإذا بالناس «بتوع ربنا» يكذبون وينافقون ويناورون وينكثون عهودهم،وتكشفت تماما أكذوبة الجماعة التى «تحمل الخير لمصر»، وتعرّت كوادرها التى قيل إنها جاهزة لإرساء نهضة شاملة، تنقل مصر إلى مصاف الدول العظمى، وتحييها بعد موات.
كان أداء البرلمان ومن بعده الرئيس، كاشفا وفاضحا، لا قدرات ولا كفاءات ولا رؤى، فقط رغبة جامحة فى التمكين والسيطرة والانتقام، وعداء سافر لكل ما تمثله فكرة الدولة الحديثة، ومحاولات دائبة لتقويض مؤسساتها وأخونتها بزعم تطهيرها.
لكن لا تبتئس، ثمة جانب ايجابى فى الصورة: فقد اكتشف الناس حقيقة الإخوان، بل وحقيقة تيار الإسلام السياسى كله، وهو أمر كان متعذرا جدا وهم محظورون ومحاصرون ومحصورون فى دور الضحايا، فلم يعد ينطلى على أحد كلامهم عن «المشروع الإسلامى» واستشهاداتهم بما قال الله وقال الرسول، وكأنهم مبعوثو العناية الإلهية لإنقاذ المصريين من الضلال.
لكننى أظن، أن القوى المدنية مطالبة بالإجابة على السؤال التالى: كيف يرحلون؟
هل تترك الأمور تسير فى مجراها الطبيعى نحو مزيد من العنف والدماء والتدهور، انتظارا لانقلاب عسكرى أو ثورة شعبية جديدة، لنبدأ مرة أخرى من أول السطر؟
أم عليها أن تعيد تنظيم صفوفها وتطرح بدائلها للوضع المأساوى الذى يقودنا إليه الرئيس وجماعته؟
هذا هو السؤال: كيف يرحلون؟