لا أنسى أبدا الفيلم الفرنسى «أعراس بيضاء»، الذى قامت ببطولته فانيسا براداى عن رواية للكاتب فيكتور بيانوشيتى الذى تدور أحداثه حول علاقة حب بين مدرس متقدم فى السن إلى حد ما وبين تلميذته المراهقة التى وقعت فى حبه وتجوفت داخل كيانه وحياته، فلم يستطع مقاومتها رغم أنه متزوج من امرأة أخرى، ولم يستطع الاثنان التحكم فى عواطفهما فتم ضبطهما وهما يمارسان الحب فوق مناضد التدريس، وتم نقل الأستاذ إلى مدرسة نائية، وعاش وحيدا فى بؤس شديد وجفاف عاطفى لفترة طويلة إلى أن اكتشف أن جارته التى لا يعرفها قد ماتت بدون سبب، وعندما كشفوا عن وجهها كانت هى تلميذته القديمة التى لم تسيطر على عواطفها أبدا وذهبت خلفه فى كل مكان تواجد فيه دون أن يعرف، يا لها من أعراس بيضاء، ويالها من قصة حب تمنيت أنا شخصيا أن أكون بطلها، مثل هذه القصة شاهدناها كثيرا فى السينما الفرنسية والإنجليزية منها فيلم (اتهام) بطولة لورانس أوليفييه الذى أحب تلميذته سارة مايلز وأيضا فيلم (أخطار المهنة) بطولة المطرب جاك بيريل وهى أفلام اقتبسناها كثيرا فى السينما المصرية، ولكن الرحيق الأوروبى كان فياضا بشكل ملحوظ، وكم خشيت أن يقوم كاتب سيناريو باقتباس أعراس بيضاء فيفسد علينا متعة رؤيتها.
أكتب هذه الكلمات بمناسبة إعادة رؤية الفيلم كم شاهدناه هو غصن الزيتون إخراج السيد بدير وبطولة سعاد حسنى وأحمد مظهر عن رواية لكاتبى المفضل محمد عبدالحليم عبدالله الذى تدور حول أستاذ يتحدث عن علاقته بزوجته فوزية التى كانت تلميذته فتحابا وتمت الزيجة ببساطة شديدة لتموت الرومانسية بين زوج (مدرس) غليظ المشاعر ملىء بالشك يطاردها دوما بما يمتلك من وسوسة، أما هى كالعصفور المغرد وإن كانت فى داخلها بنت رقيقة تتغنى بكلمات لاسمهان: امتى هتعرف امتى انى بحبك انت، هناك فاصل وفارق كبير للغاية بين الاستاذ هنا، ذلك الفظ الغليظ وبين الأساتذة العشاق الذين رأيناهم فى الافلام الأوروبية، ولا أقول الأمريكية، وفى النص الأدبى فإن وساوس المدرس الذى تزوج من تلميذته قد تأكدت بعد أن تم الطلاق بينهما؛ حيث قرأت يوما خبر مصرع طليقته على يد أحد عشاقها، أى أن شكوك الاستاذ كانت فى محلها، أما السينما فإن هذا المدرس اكتشف خطأه وأنه يفكر بشكل غير سليم، بعد أن عرف أن خصمه القديم الذى كانت تحبه التلميذه لم يكن أبدا سوى رجل فاقد الذكورة، هى فكرة ساذجة لأن الحب شىء والذكورة فوق الفراش شىء آخر، ولا أعرف كيف فاتت هذه الفكرة على السيد بدير أحد أبرع كتاب السيناريو والحوار فى السينما المصرية، ما يؤكد على أن النص الأدبى كان مبررا، وعلى كل فهو نص خشن للغاية قياسا إلى النصوص الأدبية البالغة الرقى للكاتب ومنها (شجرة اللبلاب) الذى تعتمد فكرته الأساسية على نوع مواز للشك، فطالب الطب يهجر حبيبته لأنها منحته جسدها دون غيره من الناس، ويبدو أن هذا النوع من العلاقات كان هاجسا أساسيا فى أدب الكاتب ففى روايته (بعد الغروب) ــ التى لم تظهر أبدا فى السينما ــ كانت هناك قصة حب بين المهندس الزراعى وبين اميرة ابنه صاحب العزبة التى كان يقوم بالتدريس لها وتحابا كمدرس وتلميذة ثم انفصلا ليلتقيا بعد عدة عقود بعد أن بلغ الشيخوخة أو ما أسماها المؤلف بعد الغروب. فقط هنا تماس واضح بين هذه الرواية وبين أعراس بيضاء فالأستاذ الذى اكتشف وفاة حبيبته التى جاءت للسكن الأبدى إلى جواره قد التقاها جثة هامدة أى بعد الغروب.