«دافوس» والابتكار والاقتصاد - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:30 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«دافوس» والابتكار والاقتصاد

نشر فى : الخميس 30 يناير 2020 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 30 يناير 2020 - 10:00 م

دارت بدءًا من يوم 21 يناير 2020 فعاليات دورة عام 2020 لمنتدى دافوس الذى ينظمه سنويا المنتدى الاقتصادى العالمى، الذى يوجد مقره فى سويسرا، وهى دورات دائما ما تكتسب مشاركة قادة الدول وكبار مسئوليها من وزراء وغيرهم، بالإضافة إلى جذب الرؤساء والمديرين التنفيذيين للمؤسسات الاقتصادية المهمة عبر العالم، بالإضافة إلى رؤساء جامعات ومراكز أبحاث متميزة، وأيضا علماء وممثلين للمجتمع المدنى من مختلف أنحاء العالم، وكذلك شخصيات مهمة وقيادية من المجتمع المدنى، وتكون هذه الدورات أيضا محل اهتمام المثقفين والفنانين والكتَّاب والصحفيين والإعلاميين، وغيرهم من المؤثرين فى عملية صنع القرار وفى دوائر الرأى العام على الصعيد العالمى.
وكان من الموضوعات التى احتلت أولوية متقدمة على جدول أعمال دورة منتدى دافوس لهذا العام هو موضوع «الاقتصاديات المبتكرة». وقد جاء هذا الاختيار ليضيف حالة جديدة لنطاق واسع من الأنشطة والفعاليات الدولية التى ركزت على موضوع الابتكار بصورة عامة، وعن علاقة الابتكار بالاقتصاد على وجه التحديد. وجاء اختيار ربط الابتكار بالاقتصاديات من قبل المنتدى الاقتصادى العالمى فى دورة منتدى دافوس لعام 2020 متزامنا مع/ وتاليًا على تركيز الغالبية العظمى من الرؤى المستقبلية لمختلف بلدان العالم، سواء على الصعيد القصير أو المتوسط أو الطويل الأمد، على إبراز الدور المحورى للابتكار فى سياق تلك الرؤى المستقبلية، وتتساوى فى هذا السياق حالات الاقتصاديات المتقدمة والبازغة والنامية والأقل نموا على السواء، وفى ذلك انعكاس لوجود حالة توافق دولى على مركزية مفهوم «الابتكار» ودوره فى الاقتصاد على وجه الخصوص وفى المجتمع بشكل عام. وقد تنوعت الإشارات إلى المفاهيم ذات الصلة بمفهوم الابتكار ما بين الحديث عن «اقتصاد المعرفة» و«مجتمع المعرفة» وغيرهما، بالإضافة بالطبع إلى التركيز على إبراز مفهوم «الابتكار» فى حد ذاته بشكل مباشر فى تلك الرؤى.
ومن قبيل توكيد العلاقة الإيجابية بين الابتكار والاقتصاد، فقد أبرز عدد كبير من التقارير والدراسات الدولية التى تصدر بشكل دورى ومنتظم عن عدد من المنظمات والمؤسسات ذات المكانة والسمعة الدولية المتميزة حقيقة وواقع أن هناك علاقة طردية إيجابية فيما بين درجة التقدم الاقتصادى وبين حالة ووضعية الابتكار فى نفس الدولة وذات المجتمع. ومن جملة التقارير الدولية التى أكدت هذه العلاقة هو التقرير السنوى الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية بمدينة جنيف السويسرية والمعنون «المؤشر العالمى للابتكار»، والذى تصدره المنظمة بشكل سنوى على مدار الاثنى عشر عاما الماضية. إلا أن هذا التقرير، مثله مثل بقية التقارير ذات الصلة، لم ينجح بعد فى التوصل إلى أسباب مثبتة علميا أو طبق منهج تحليل إحصائى بشأن تلك العلاقة الطردية، علما بأن البحث عن منهاجيات ملائمة تحقق مثل هذا الهدف هو جهد قائم ومستمر من جانب تلك التقارير، وفى مقدمتها «المؤشر العالمى للابتكار».
ولا يوجد أى خلاف حول أهمية وحيوية الابتكار المتزايدة تجاه الاقتصاد العالمى والاقتصاديات الوطنية وشبه الإقليمية والإقليمية، سواء فى الوقت الراهن، أو فى المستقبل القريب والبعيد على حد سواء. ويجمع العلماء والخبراء والاقتصاديون وجميع من هو منشغل بالشأن الاقتصادى اليوم على الدور المزدوج للابتكار، سواء من جهة كونه محفزا رئيسيا وضروريا للنمو الاقتصادى من جهة المساهمة الفعالة فى تحقيق النقلة النوعية والتحول التكنولوجى الذى لا غنى عنه للاقتصاد، أو من جهة تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطنى، فى الأسواق الداخلية والخارجية. وقد باتت مختلف بلدان العالم على اقتناع كامل بأنه لكى تنمو اقتصادياتها بمعدلات مرتفعة بشكل متزايد ومتسارع، ولكى تتحسن القدرات التنافسية لتلك الاقتصاديات، فلا بديل عن تبنى استراتيجيات وسياسات وبرامج واضحة لتشجيع الابتكار وتعزيز دوره، ليس فقط باعتباره شرطا أساسيا لزيادة معدلات النمو وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد، بل باعتباره شرطا لا غنى عنه ولا بديل له فى هذا السياق.
ومع التسليم بالعلاقة الإيجابية بين الابتكار وبين درجة نمو الاقتصاد، يتعين علينا هنا أن نشير هنا إلى نقطة اختلاف مهمة بين الاقتصاديات المتقدمة وبعض الاقتصاديات البازغة من جهة وبقية الاقتصاديات البازغة والاقتصاديات النامية والأقل نموا من جهة أخرى، ويتصل هذا الاختلاف بطبيعة وخصائص ومصادر تمويل أنشطة البحث والتطوير. ففى الفئة الأولى من البلدان التى ذكرناها، وبالرغم من وجود مؤسسات بحث وتطوير تابعة للدولة والمؤسسات العامة وممولة من قبلها، فإن غالبية أنشطة البحث والتطوير فى تلك البلدان تكون تبعيتها هى إما للقطاع الخاص أو لمؤسسات المجتمع المدنى، وذلك من جهة التنظيم والإدارة والتمويل. أما المجموعة الثانية من الدول التى ذكرناها فى بداية هذه الفقرة، فالوضع فيها مختلف بدرجة كبيرة فى هذا السياق. فبينما تقوم الدولة والمؤسسات العامة بتمويل غالبية أنشطة البحث والتطوير والإشراف عليها وتوجيهها، بما فى ذلك تلك التى يرتبط عملها ونتائج أنشطتها بشكل مباشر بالاقتصاد من النواحى البنيوية، كما من جهة الأداء والقدرة التنافسية، فعلى الجانب الآخر، فإن أنشطة البحث والتطوير التابعة لمؤسسات القطاع الخاص والممولة من جانبه هى إما غير موجودة فى بعض الحالات أو محدودة، وتمثل نسبة ضئيلة من إجمالى أنشطة البحث والتطوير على صعيد حالات أخرى.
وبالرغم من أن منتدى دافوس لهذا العام ركز على موضوع «الاقتصاديات المبتكرة»، فإن أهمية الابتكار لا تقتصر على الاقتصاد وحده. فالابتكار لن يكون ناجحا أو مؤثرا بشكل إيجابى فى الاقتصاد وقدرته التنافسية، إذا لم يوجد هذا الاقتصاد فى خضم بيئة تتصف بوجود عدد من الآليات الداعمة له، بما فى ذلك بنية تشريعية مواتية وأخرى مؤسسية تعززه وموارد بشرية مؤهلة ومدربة على نحو مناسب. كما أن الابتكار، بدوره، هو مفهوم عابر للحدود فيما بين القطاعات المختلفة، وله تأثيراته المتنوعة على مختلف قطاعات الدولة والمجتمع، بما فيها الاقتصاد بالطبع. وبالتالى، فإن العديد من القطاعات فى البلدان البازغة والنامية والأقل نموا تبقى فى حاجة للمراجعة، وأحيانا لإعادة الهيكلة، وأحيانا أخرى للتحديث. وأحد أهم الأمثلة على هذه القطاعات ودورها فى هذا السياق هو قطاع التعليم، بكل مستوياته، بما فى ذلك التعليم العالى والبحث العلمى، والذى يتطلب دوما المراجعة والتحديث فى مجالات مناهج وأدوات التعليم، وتدريب وتأهيل المدرسين، وتوفير أفضل وأحدث المعامل والمكتبات، وتوفير الحوافز الملائمة، بما فى ذلك المادية، للابتكار، بما فى ذلك إنشاء مكاتب وسياسات للملكية الفكرية فى الجامعات والمعاهد العلمية الموازية لها، وكذلك تشجيع البحث العلمى فى إطاره العام.

مفكر وكاتب مصرى

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات