نشر موقع Mondoweiss مقالا للكاتب مارك بريفرمان، قام فيه بتحليل البيان الذى أصدرته اللجنة اليهودية الأمريكية تنديدا بقرار «كنيسة المسيح المتحدة» الذى وصفت فيه صراحة إسرائيل بأنها دولة فصل عنصرى كما أعلنت فيه تضامنها مع الشعب الفلسطينى... نعرض منه ما يلى.تشعر اللجنة اليهودية الأمريكية، من أكبر جماعات اللوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة، بالذعر من تآكل الدعم لإسرائيل، ليس فقط بين الشابات والشبان اليهود ولكن أيضًا بسبب تضامن أعضاء «كنيسة المسيح المتحدة»، طائفة مسيحية أمريكية، مع الشعب الفلسطينى.
يفسر هذا بيان فى 16 أغسطس الجارى لمدير العلاقات الإعلامية للجنة اليهودية الأمريكية، ينتقد القرار الداعم للشعب الفلسطينى الذى تبنته مؤخرا كنيسة المسيح المتحدة، وجاء فى البيان: «خيب المجمع الكنسى الآمال عندما أصدر قرارا يدين إسرائيل من نواحٍ عديدة بينما لم يطلب من الشعب الفلسطينى أبدًا تحمل المسئولية والقيام بشىء ما لحل النزاع وتعزيز السلام». وأضاف البيان: «إن إسرائيل، تذكرنا بأمثلة تاريخية مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وجنوب أفريقيا، وهى تمثل الشكل الحالى من الاستعمار الاستيطانى، حيث تعمل على محو السكان الفلسطينيين الأصليين، من خلال عدة إجراءات: فرض احتلال عسكرى قاسٍ. الضم الفعلى للأراضى الفلسطينية والتهديدات بمزيد من الضم؛ توسيع المستوطنات اليهودية غير الشرعية فقط فى القدس الشرقية والضفة الغربية. تقليص الأراضى الخاضعة للسيطرة الفلسطينية؛ وتقييد سفر الفلسطينيين والفلسطينيات فى الضفة الغربية وقطاع غزة».
أشار البيان أيضا إلى الإجراءات التى اتخذتها كنيسة المسيح المتحدة لدعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS والدعوة إلى إنهاء المساعدة الأمريكية لإسرائيل. وهو ما يعد معاداة للسامية.
أيد 83 بالمائة من أعضاء اللجنة الأمريكية اليهودية هذا البيان الذى يصف إسرائيل بأنها «شكل اليوم من الاستعمار الاستيطانى»، تعمل على «إزالة ومحو» الشعب الفلسطينى كما فعلت كندا وأستراليا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة كقوى استعمارية فى الماضى!!
لكن فى بيانات سابقة لكنيسة المسيح المتحدة، تم التأكيد على صيغة «حل الدولتين» ودعم «حق إسرائيل فى الوجود». ويتضح ذلك فى ديباجة المجمع الكنسى لعام 1973 التى أكدت أنه «لا يمكن تحقيق السلام والأمن إلا من خلال تسوية سياسية تأخذ فى الاعتبار حق دولة إسرائيل فى الوجود وحقوق العرب الفلسطينيين». وهو ما غاب فى القرار الأخير للمجمع الكنسى الذى انحاز بشكل واضح للجانب الفلسطينى.
هذا جعل اللجنة اليهودية الأمريكية غير سعيدة. فلطالما تبنت العلاقات المسيحية اليهودية خطابًا «متوازنًا»؛ لا يشكك فى الصهيونية؛ يبارك حل الدولتين؛ قد يعترف بمعاناة الشعب الفلسطينى ولكن المعاناة اليهودية لها الأسبقية.
بعبارة أخرى، لقد فعل المجمع الكنسى شيئا لم يفعله من قبل. ركز على التفسيرات اللاهوتية المستندة إلى وثيقة صادرة فى يوليو 2020 من قبل المبادرة المسيحية الفلسطينية ــ كايروس فلسطين، التى تحاول استجداء عواطف الطوائف المسيحية الأمريكية. أعلنت وثيقة كايروس أن «دعم قمع الشعب الفلسطينى، سواء من خلال الصمت أو القول أو الفعل، هو خطيئة». وتعد الوثيقة هى أفضل أمل لتحرير الشعب الفلسطينى واليهود على حد سواء من شر الفصل العنصرى.
القرار الذى أصدره المجمع الكنسى والذى أثار حفيظة اللجنة اليهودية الأمريكية تم تبنيه فى 18 يوليو الماضى وجاء فيه: «إعلان سلام عادل بين فلسطين وإسرائيل«. وأن «استمرار إسرائيل فى قمع الشعب الفلسطينى هو خطيئة وانتهاك لرسالة الأنبياء التوراتيين والإنجيليين». كما رفض القرار بشدة «فكرة أن الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين هو مشكلة سياسية بحتة».
***
انتقل بيان اللجنة اليهودية الأمريكية إلى مناقشة متى بدأ الاستعمار والتطهير العرقى بالفعل. جاء فى البيان: أن الرأى القائل بأن «الاحتلال» لم يبدأ عام 1967 بل عام 1948 هو قناعة الفلسطينيين المتطرفين، ولا سيما حماس، الذين يؤمنون إيمانا راسخا بأن اليهود هم دخيل استعمارى، ولا صلة لهم بالأرض، ويجب إخراجهم منها. بينما فى الحقيقة حماس لا يوجد ذكر لها، إلا عندما حكمت غزة منذ عام 2007، ملتزمة بتدمير إسرائيل، وتعارض أى مبادرات سلام، وفى مايو الماضى بدأت صراعًا آخر من خلال إطلاق آلاف الصواريخ بشكل عشوائى على المدن الإسرائيلية. ودائما يتم تجاهل عروض السلام الحقيقية التى قدمتها إسرائيل، بدعم أمريكى، وترفضها السلطة الفلسطينية باستمرار.
بينما الحقيقة هى أن غزة تعرضت لحصار وحشى منذ أن سيطرت حماس على السلطة فى عام 2007. وتسبب أكثر من 70٪ من البطالة ونقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب والطاقة فى أزمة إنسانية. تسبب القصف الإسرائيلى أيضا فى مقتل الآلاف وتدمير هائل للإسكان والبنية التحتية الحيوية. حماس لم تشن حربا كان الهدف منها طرد اليهود من فلسطين. فهى من أجل ذلك، ستحتاج إلى جيش: أسلحة، جنود. بينما كانت الصواريخ رسالة للعالم: «نحن هنا! نحن بحاجة إلى انتباهكم!».
أما حول رفض الجانب الفلسطينى «للعروض السخية» لإنشاء سلام دائم. يمكن ببساطة الإشارة لما جاء فى كتاب رشيد الخالدى «حرب المائة عام على فلسطين: تاريخ الاستعمار الاستيطانى والمقاومة، 1917ــ2017»: لم يحصل الشعب الفلسطينى على عرض «كريم» قط منذ أن شرعت القوى الغربية فى تقسيم إمبراطورياتها الاستعمارية فى عام 1917.
***
اختتمت اللجنة اليهودية الأمريكية بيانها باعتبار قرار مجلس الكنائس العالمى الأخير إهانة، ولا شك أنه سيتم تكريسه فى البيانات المستقبلية ضد إسرائيل. كما قد تحاكى الكنائس البروتستانتية الأخرى النهج اللاهوتى الجديد للمجمع الكنسى وتدين إسرائيل.
لكن الذى حدث بحق هو عودة كنيسة المسيح المتحدة إلى إسرائيل والشعب الفلسطينى. فحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية هى الرسالة الأساسية للكنيسة. لقد تحدى السيد المسيح المؤسسة اليهودية فى عصره داعيا شعبه إلى الوفاء بضرورة العدالة الاجتماعية فى التوراة والأنبياء.
على كل حال، سيُنظر إلى هذا القرار يومًا ما على أنه بداية نهاية الفصل العنصرى. وسينضم الكثيرون فى المستقبل للمجمع الكنسى. مثلما حدث أثناء التحالف العالمى للكنائس فى عام 1982، عندما أعلنت الهيئة العالمية أن التبرير اللاهوتى للفصل العنصرى بدعة وعلقت الكنائس عضوية أفرادها فى جنوب أفريقيا التى تمارس الفصل العنصرى.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زردالنص الأصلى: