نشرت صحيفة الجارديان مقالا للكاتبين «جيسون بورك» و«زينب محمد صالح» تناولا فيه الهدف وراء تدفق المرتزقة السودانيين إلى ليبيا وما هو أثر هذا التدفق على الدولة التى مزقتها الحرب منذ عام 2011.. ونعرض منه ما يلى:
تقاتل موجة جديدة من المرتزقة السودانيين فى ليبيا، وهو بدوره يثير المخاوف من أن الصراع فى الدولة الواقعة فى شمال إفريقيا قد يتحول إلى حرب دولية مستعصية يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة.
أخبر قادة مجموعتين من المقاتلين السودانيين فى ليبيا، صحيفة الجارديان أنهم استقبلوا مئات المجندين الجدد فى الأشهر الأخيرة.
وقال أحد القادة المتمركزين فى جنوب ليبيا: «يأتى الكثير من الشباب... حتى إننا لا نملك القدرة على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة». وقال القادة إن هناك ما لا يقل عن 3000 مرتزقة سودانى يقاتلون الآن فى ليبيا.
وفى وقت سابق من هذا الشهر، قالت الأمم المتحدة إن تدخل المرتزقة السودانيين فى ليبيا يمثل تهديدا مباشرا لأمن البلد الذى مزقته الحرب. كما قالت لجنة من خبراء الأمم المتحدة فى تقرير من 376 صفحة إلى مجلس الأمن إن وجود السودانيين أصبح واضحا جدا فى عام 2019 وقد يؤدى هذا إلى مزيد من عدم الاستقرار.
***
كانت ليبيا فى حالة فوضى منذ اندلاع الحرب الأهلية فى عام 2011 والتى أطاحت بمعمر القذافى، الذى قتل فى وقت لاحق. وفى الفوضى التى أعقبت ذلك كانت البلاد منقسمة، فكانت هناك حكومة ضعيفة مدعومة من الأمم المتحدة فى طرابلس تشرف على غرب البلاد وحكومة منافسة فى الشرق تمتلك جيشا ــ جيش التحرير الوطنى ــ بقيادة حفتر، يدعم كلا من الحكومتين مجموعة من الميليشيات والحكومات الأجنبية.
شن حفتر هجوما عسكريا مفاجئا فى إبريل بهدف الاستيلاء على طرابلس، لكن الهجوم توقف، تاركا الجانبين المتحاربين يقصف أحدهما الآخر بأسلحة متطورة على طول المناطق الجنوبية للمدينة.
فى وقت سابق من هذا الشهر، قال حفتر، 76 عاما، إن قواته تستعد لـ«معركة حاسمة» للسيطرة الكاملة على المدينة. وبينما يتمتع الجيش الوطنى الليبى والحكومة الشرقية بدعم من فرنسا وروسيا والأردن والإمارات العربية المتحدة ودول عربية رئيسية أخرى، فإن الحكومة التى تتخذ من طرابلس مقرا لها مدعومة من إيطاليا وتركيا وقطر.
***
قاتلت بعض أكبر المجموعات السودانية المتمركزة فى ليبيا ذات يوم فى دارفور، المنطقة الغربية المضطربة فى السودان، فى سلسلة من الهجمات ضد الميليشيات والقوات التى أرسلها النظام القمعى فى الخرطوم.
وقال قادة المرتزقة السودانيين إن الموجة الجديدة من المجندين تضمنت العديد ممن قاتلوا ضد حكم عمر البشير، الذى أطيح به فى إبريل عندما سحب الجيش السودانى دعمه له بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية. وقال أحد هؤلاء القادة إن كثيرين تم تجنيدهم فى دارفور فى الأشهر الأخيرة بينما سافر آخرون من هناك إلى ليبيا للتجنيد.
قال جميع القادة الذين تمت مقابلتهم إنهم يأملون فى العودة إلى السودان للقتال ضد الحكومة الانتقالية الحالية، التى تم تشكيلها بعد سقوط البشير. حيث ذكر أحد القادة: «أعلم أننا مرتزقة ولا نقاتل بشرف وكرامة... لكن هذا الوضع مؤقت، سنعود إلى الوطن بعد الانتهاء من مهمتنا هنا».
وقال قائد آخر إن القتال كمرتزقة فى ليبيا هو الطريقة الوحيدة للحصول على الموارد اللازمة لمحاربة الدولة السودانية فى المستقبل. وقال إنه لم يكن يتوقع إطاحة البشير، لكن على الرغم من أن سقوط الديكتاتور المخضرم قد «غير المعادلة السياسية»، فإن الحكومة الانتقالية الجديدة فى الخرطوم لا تختلف عن النظام السابق. «لا نعتقد أن عمر البشير قد رحل. نحن الآن فى ليبيا... لكن هناك معارك أخرى تنتظرنا فى السودان».
وقال مرتزق سودانى آخر رفيع المستوى متمركز بالقرب من طرابلس لصحيفة الجارديان أنهم «ليس لديهم جدول زمنى» لمغادرة ليبيا ولكن أى تواجد لهم هو مؤقت. وأضاف: «نحن موجودون هناك فقط للحصول على تمويل يؤمن لنا الحصول على الأسلحة واللوجستيات العسكرية الأخرى للعودة إلى السودان».
***
قال جليل هرشاوى ــ خبير فى ليبيا بمعهد كلينجنديل فى لاهاى ــ إن التدفق الجديد للمجندين سيشكل عاملا مهما لزعزعة الاستقرار على المدى الطويل. وأضاف: «الشباب يأتون لكسب المال... قد يستغرق هذا عاما أو عامين أو أكثر، ولكن فى النهاية سوف يهدأ النزاع... وفى مرحلة ما سيبدأون فى العودة إلى ديارهم [للسودان]».
قال أحدث تقرير للأمم المتحدة أن ألف جندى سودانى من قوات الدعم السريع، الذين اتهموا بارتكاب فظائع كبيرة فى وقت سابق من هذا العام فى دارفور، تم نشرهم فى ليبيا فى 25 يوليو 2019 من قبل محمد حمدان دقلو، أحد أمراء الحرب الذى تحول إلى مسئول كبير ويُعرف أيضا باسم «حمدتى». ويشارك المرتزقة السودانيون أيضا فى عمليات التهريب وغيرها.
وقال «تيم إيتون» الخبير الليبى فى تشاثام هاوس بلندن إن من المعروف أن المرتزقة يبتزون المهربين والمهاجرين ماليا.
قال أحد القادة السودانيين إن قواته لعبت دورا مهما فى «تحرير» حقول النفط، وهذا الادعاء تؤكده تقارير سابقة صادرة عن لجنة خبراء الأمم المتحدة التى قالت إن المرتزقة السودانيين ساعدوا الجيش الوطنى الليبى فى تأمين «الهلال النفطى» الاستراتيجى للبلاد.
وقال لصحيفة الجارديان «بدون مساعدتنا، لما تمكنوا من تحريرها، ساهمنا فى 50 ٪ من العمل العسكرى هناك».
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى