رئيس مصرى جديد ومؤسسة رئاسة قديمة مجهولة - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:36 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رئيس مصرى جديد ومؤسسة رئاسة قديمة مجهولة

نشر فى : الأحد 1 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 1 أبريل 2012 - 8:00 ص

فى منتصف شهر مارس من العام الماضى فجَّر السيد زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، مفاجأة مدوية حينذاك بتأكيده أنه ما زال يمارس مهامه كالمعتاد على قمة ديوان الرئاسة المصرى، إذ قال فى برنامج تليفزيونى بثته قناة أوربت «أنا أعمل مع القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس المجلس الأعلى يكلفنى ببعض الأمور لأن رئاسة الجمهورية مؤسسة قائمة ولابد أن نحافظ عليها إلى أن يأتى رئيس جديد، ولست رئيسا لديوان رئيس الجمهورية، لكننى مسئول عن مؤسسة الرئاسة بتكليف من القوات المسلحة لكى أسلمها لمن سيأتى من بعدى فى أى وقت».

 

وبدا هذا الحديث منطقيا للبعض مبررا بضرورة الحفاظ على استمرارية أحد أهم مؤسسات حكم مصر. إلا أنه وقبل مرور شهر واحد على حديث السيد زكريا عزمى، ألقى القبض عليه يوم السابع من شهر أبريل بتهم فساد مالى وإدارى وسياسى، وتم إيداعه بسجن طرة.

 

ومنذ ذلك التاريخ لا يعرف أحد مصير مؤسسة الرئاسة المصرية. الموقع الإلكترونى الرسمى لمؤسسة الرئاسة  www.presidency.gov.eg  متوقف نهائيا عن العمل، ولا تتوافر به أى معلومات أو بيانات. كذلك لا يعرف أحد ما آلت إليه مؤسسة الرئاسة (فى صورتها التنظيمية كوزارة صغيرة خاصة بالرئاسة).

 

وخلال سنوات حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، مثلت مؤسسة الرئاسة بما تضمنته من عدة آلاف عملوا بها، حجر الأساس الأهم فى تكوين النظام السابق. وكان اختيار العاملين بمؤسسة الرئاسة يخضع لمعايير مختلفة، كان منها الكفاءة فى بعض الأحيان نظرا للقرب من دائرة الحكم الأهم، وفى أحيان كثيرة كان أهل الثقة وأصحاب الولاء يمثلون الأغلبية العظمى من العاملين بالمؤسسة. وخدم بمؤسسة الرئاسة أعداد هائلة فى كل التخصصات تقريبا، فهناك رجال الأمن، ورجال المخابرات، والخبراء الاقتصاديون والمؤرخون التاريخيون، وخبراء فى عدد من المجالات منها الإعلام والصحة والبروتوكول والدبلوماسية والإحصاء والهندسة.

 

وللآن لم يخبرنا أحد مصير العاملين بمؤسسة الرئاسة، ولا نعرف من يدير الشئون اليومية للمؤسسة. إلا أن السؤال الأهم يرتبط بمستقبل تلك المؤسسة وعلاقتها بالرئيس القادم الذى سينتخبه الشعب المصرى بمشيئة الله قبل مرور ثلاثة أشهر من الآن.

 

ولفريق العاملين بمؤسسة الرئاسة مهام إدارية كثيرة من أهمها وضع جدول أعمال الرئيس الداخلى منها والخارجى، وتحديد من يقابلهم، ومراجعة وتنظيم المعلومات المقدمة للرئيس، إضافة لمهام حماية الرئيس. كذلك هناك مهام استشارية متنوعة فيما يتعلق بالقضايا الداخلية والخارجية، والتفاوض مع مجلسى الشعب والشورى، والتعامل مع الوزارات المختلفة والمحافظات والمحافظين.

 

وتقوم مؤسسة الرئاسة بمهام شديدة الأهمية فى أى نظام سياسى يوجد فيه منصب رئيس للجمهورية. ورغم ذلك لم يتوافر سوى قليل القليل من المعلومات عن إداراتها أو مكاتبها الرئيسية، أو ميزانيتها، ناهيك عن هوية العاملين فيها خلال العهد السابق.

 

نريد أن نعرف ما حدث لمؤسسة الرئاسة، فإذا تم حلها، فهذا يعد كابوسا مزعجا للرئيس المنتخب القادم بصفة خاصة، ولنا جميعا بصفة عامة. هذا الفراغ المؤسسى، رغم ما له من حسنات، قد يترك رئيسنا الجديد المنتخب فردا وحيدا فى مواجهة سيل جارف من الأزمات والكوارث التى تهدد أمن مصر الداخلى والخارجى.

 

«رئيس الدولة» ليس شخصا فى حد ذاته، بل هو مؤسسة متكاملة، إلا أن هذه المؤسسة يجب أن تتمتع بمرونة خاصة وتستعد لحتمية التغيير. لا يستطيع شخص الرئيس أن يحكم بذاته، فهو يدير دولة كبيرة يبلغ عدد سكانها ما يزيد على 85 مليونا من البشر، إضافة لاستحالة إدارة الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشائكة بدون أجهزة معاونة يثق فيها ويثق فى ولاء العاملين فيه له كرئيس منتخب.

 

مثل الأشخاص، للمؤسسات ثقافتها وهويتها وأخلاقها. وأهم ما تميزت به مؤسسة الرئاسة السابقة هو معرفتها وخدمتها لرئيس واحد لعدة عقود. وتمثل مؤسسة الرئاسة، إن وجدت فى صورتها القديمة، عائقا كبيرا أمام قيام الرئيس الجديد المنتخب بمهامه الجسام.

 

ورغم أن هناك وزارات وجهات سيادية، على رأسها وزارة الخارجية وجهاز المخابرات العامة ووزارة الداخلية، تقوم بأدوارها السيادية حتى الآن، إلا أن علاقة هذه الأجهزة بالرئيس حال انتخابه سيغلّفها الغموض والتوتر على أحسن التقديرات. فتلك المؤسسات لها ثقافتها الخاصة بها. ولم تعرف هذه المؤسسات خلال السنوات الثلاثين الماضية إلا مبارك رئيسا، ولم تعرف من الأحزاب إلا ا الوطنى حاكما. تغيير ثقافة هذه المؤسسات وثقافة العاملين بها لن يكتمل خلال أشهر، بل ربما يمتد لعدة سنوات، وذلك طبقا لدرجة مقاومتها للتغيير وللواقع الجديد. وعلينا أيضا العمل على تغيير ثقافة تلك المؤسسة وإعدادها للتعامل مع رئيس جديد كل أربع أو ثمانى سنوات.

 

علينا الاقرار أن مصر لن تشهد تغيرا حقيقيا وتطورا ديمقراطيا للأمام ما لم يتم تغيير ثقافة الأجهزة السيادية المصرية، ليس فقط مؤسسة الرئاسة بل أيضا وزارة الخارجية وجهاز المخابرات.

 

عندما ينتخب رئيس أمريكى جديد، يقضى فريق يطلق عليه «فريق المرحلة الانتقالية» ما يقرب من 80 يوما فى تسلم ملفات ومؤسسات البيت الأبيض من فريق الرئيس السابق. عند تنصيب جورج واشنطن مهامه كأول رئيس للولايات المتحدة عام 1789 لم يكن لديه مؤسسة تساعده فى إدارة شئون الحكم، واكتفى بشخص واحد فقط لمساعدته هو ابن أخته روبرت، وكان واشنطن يدفع أجره من ماله الخاص. ثم تطور الجهاز المعاون للرئيس الأمريكى إلى أن بلغ عدد فريق العاملين بالبيت الأبيض ما يقرب من 2500 شخص تحت رئاسة باراك أوباما. ويرأس هذه الفريق الآن «وليام دالى»، الذى يراه الكثيرون ثانى أهم شخص فى العاصمة الأمريكية.

 

فهل نستطيع أن ننظم مؤسسة رئاسة قوية ومرنه يمكن تغيير العاملين فيها كلما تغير شخص الرئيس المصرى.

 

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات