هل يتمكن ترامب من تفكيك الدولة العميقة؟ - قضايا عالمية - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أبريل 2025 6:08 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

هل يتمكن ترامب من تفكيك الدولة العميقة؟

نشر فى : الإثنين 31 مارس 2025 - 5:50 م | آخر تحديث : الإثنين 31 مارس 2025 - 5:50 م

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة رغدة البهى، تناولت فيه محاولات ترامب لتقويض الدولة العميقة، والتحديات التى تحول دون تحقيق هدفه... نعرض من المقال ما يلى:
يعد مفهوم الدولة العميقة دليلا على أحد التحديات الجوهرية التى تقوض السياسات الداخلية الأمريكية، ويمثل رغبة الرؤساء الأمريكيين فى إعادة توجيه الجهاز البيروقراطى وإحكام سيطرتهم عليه. واتساقا مع هذا المعنى، وضع الرئيس دونالد ترامب نفسه فى مواجهة مع مؤسسات السلطة التنفيذية وموظفيها، على نحو أسفر عن تصدر مفهومين صدارة المشهد الداخلى الأمريكى، هما: السلطة التنفيذية الموحّدة، والدولة العميقة، ويستند الأول إلى شخصنة السلطة الرئاسية لتتجاوز حدود المنطق وسيادة القانون، فيما يشير الثانى - فى أحد معانيه - إلى المؤامرات المدبّرة الرامية إلى تقويض السلطة الدستورية للرئيس المنتخب.
بيد أن دلالات الدولة العميقة، فى السياق الأمريكى، تتجاوز المعنى السابق، لتشمل شبكة معقدة من المناصب الرفيعة والقيادات الحكومية غير المنتخبة فى مؤسسات عدة، مثل الجيش والاستخبارات والقضاء، والتى تتحكم فى مقاليد الحكم، ويزداد نفوذ شاغليها غير المبرر فى السياسات العامة، والذى ينعكس فيما يتم تمريره أو تعطيله من قرارات رسمية، بما يقلّص دور الرئيس المنتخب إلى حد كبير. وفى معنى متصل، فإن الدولة العميقة تشير إلى الآلاف من خبراء الرأى والموظفين الحكوميين غير السياسيين ممن قوضوا سلطة ترامب فى ولايته الأولى، وحالوا بينه وبين فرض رؤيته وسياساته، ومن أمثلتهم جيف سيشنز، الذى رفض الانخراط فى تحقيقات التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية 2016، وجيم ماتيس، الذى استقال بسبب خلافات حول قرارات ترامب الاستراتيجية مثل الانسحاب من سوريا، وغيرها.
تعددت جهود وسياسات ترامب الرامية إلى استئصال شأفة الدولة العميقة وتفكيك جذورها عبر تقليص حجم وفعالية الحكومة الفدرالية مترامية الأطراف من خلال الحد من مواردها وتقليل أعداد العاملين بها. وهى السياسات التى وجدت جذورها فى ولايته الأولى، وتكررت الدعوة لها فى حملته الانتخابية العام الماضى، وتجد طريقها إلى التطبيق فى ولايته الثانية. فقد أصدر ترامب فى ولايته الأولى أمرا تنفيذيا عرف باسم «الجدول F» أو (Schedule F)، والذى كان من شأنه عزل «البيروقراطيين المارقين» وتجريد موظفى الخدمة المدنية غير الموالين للرئيس من الحماية لتسهيل عملية فصلهم واستبدال آخرين بهم يعبرون صراحة عن ولائهم لترامب عند تعيينهم. فيما استهل ترامب ولايته الثانية بأمر تنفيذى يجيز إجراء مراجعات شاملة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية وغيرها من الوكالات؛ لتصحيح «سوء السلوك السابق» من خلال إجراءات مناسبة.
إن رغبة ترامب فى تقويض الدولة العميقة، ومنح الموظفين المشرفين على إدارة التنوع فى المؤسسات الحكومية إجازة مفتوحة، وتعيين الموالين له فى أعقاب إعادة تصنيف الآلاف من موظفى الخدمة المدنية؛ تأتى فى إطار جملة من السياقات والعوامل، منها: سيطرة الحزب الديمقراطى ونخبته الليبرالية بشكل منفرد وغير رسمى على مقاليد الحكم خلال فترة الرئيس السابق جو بايدن من جهة، ورغبة مؤيدى ترامب فى رئاسة حازمة تلبى تطلعاتهم من جهة أخرى، وتطبيق أحد أهم الدروس المستخلصة من ولاية ترامب الأولى والمتمثل فى اختيار شخصيات تتسم بالولاء المطلق له بغض النظر عن كفاءتها للحيلولة دون أى مقاومة محتملة لسياساته المثيرة للجدل.
• • •
فى اتجاه مضاد للتحليلات التى تدفع بقدرة الرئيس الأمريكى على التصدى للدولة العميقة من خلال سياساته السالف ذكرها، تبرز ثلاثة اتجاهات تشكّك فى قدرته تلك، وهو ما يتضح على النحو التالى:
أولا: استمرار الدولة العميقة بأشكال أخرى: يتأسس هذا الاتجاه على صعوبة إصلاح الحكومة الفيدرالية، ولاسيما أن الدولة العميقة لا تنبع من داخل البيروقراطية الفيدرالية، بل تنبع من «دولة المقاولين» التى تتكون من شركات عملاقة ذات ثراء مالى وحماية سياسية بقيادة شركات المقاولات الدفاعية الكبرى وحكومات الولايات والمنظمات غير الربحية المدعومة من دافعى الضرائب وأعضاء الكونجرس من كلا الحزبين الديمقراطى والجمهورى؛ ومن ثم فإن مواطنى وداعمى تلك الدولة العميقة هم السبب الحقيقى فى الإنفاق الفيدرالى المتزايد وعجز الميزانية الفيدرالية فى ظل تشعب البرامج الفيدرالية واستخدام أموال الضرائب لتوظيف ملايين الأشخاص فى القطاع الخاص، وهم السبب الحقيقى وراء الهدر والاحتيال لا البيروقراطيين. كما تذهب أكبر عقود الدولة العميقة الحقيقية إلى الشركات العملاقة التابعة للمجمع الصناعى العسكرى عبر وزارة الدفاع الأمريكية؛ مما يجعلها أحد أبرز مظاهر الاحتكار وأحد أسباب ضعف الرقابة الفدرالية.
ثانيا: التداعيات السلبية لسياسات ترامب على نفسه: يدفع هذا الاتجاه بأن سياسات ترامب لتقويض الدولة العميقة ستقوضه هو نتيجة جملة من الأسباب، منها أن القيادات التى يعيّنها تمس الدور القيادى العالمى فى سياق دولى أكثر تعقيدا من مثيله فى فترته الرئاسية الأولى. وعليه، فإنها لا تتناسب مع التوترات الجيوستراتيجية العالمية فى منطقة الشرق الأوسط أو فى القارة الأوروبية، كما لا تتسق والتوترات المتصاعدة مع الصين فى ظل منافسة دولية محتدمة معها. فلا شك أن الاستعاضة عن خبراء الاستخبارات ذوى الخبرة سيخلّف عواقب سلبية على المدى الطويل فى الوقت الذى تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى مجتمع استخبارات ذى كفاءة وفعالية.
بعبارة أخرى، فإن سياسات ترامب فى مواجهة الدولة العميقة ستسفر عن تقويض إن لم يكن «هدم» أجهزة الاستخبارات الأمريكية؛ لأن تلك السياسات تتأسس على تحكم الولاءات فى عمل تلك الأجهزة، وهى القناعة التى تقوض أحد أهم أسس عملها، والمتمثل فى تغليب المصلحة على الولاء من خلال إمداد الرئيس بأفضل المعلومات الاستخباراتية المتاحة. كما يسهل التشكيك فى كفاءة كثير من الشخصيات التى عينها، ومنها مديرة الاستخبارات الوطنية، الديمقراطية السابقة تولسى غابارد، التى دافعت عن بشار الأسد، واتهمت ترامب بالسعى إلى حرب مع إيران؛ لذا يشير سجلها ومواقفها السياسية المعلنة إلى الطابع الانتقائى الذى ستمارسه عند تقييم المعلومات الاستخباراتية؛ فتستمع إلى ما يتفق مع نسقها العقدى، وترفض ما يتناقض مع رؤيتها وسياساتها.
ثالثا: تسييس الدولة العميقة لأغراض وظيفية: دفعت بعض التحليلات بعدم وجود ما يسمى الدولة العميقة، وأن مزاعم ترامب بشأنها هى محاولة للمتاجرة والزج بنظرية المؤامرة فى قلب السياسة الأمريكية لتصفية الخصوم وخلق ثقافتى الصمت والخوف اللتين قد تؤثران فى الأداء الوظيفى لمختلف الأجهزة الرسمية. وقد تكون تلك المزاعم مجرد البداية للنيل من معارضى الإدارة الأمريكية الحالية، ما يأذن ببداية عهد جديد للولايات المتحدة ونظام حكمها؛ فتوزع المناصب وفقا للأهواء وليس الكفاءات. وبناءً على ذلك، فى المستقبل القريب، ستتضح أهداف ترامب من سياساته تلك، وما إن كان تسييسها يهدف إلى ردع موظفى الخدمة المدنية كى لا يتصدوا لأجندته المتطرفة، أم إلى إعادة ترتيب الجهاز البيروقراطى وتسخيره فى خدمته، وتحويل الحكومة الفدرالية إلى وسيلة لإحكام السيطرة واستهداف الخصوم وتصفية الحسابات وملاحقة المعارضين واستفزاز المؤسسات التقليدية.
• • •
ختاما، ينفذ الرئيس ترامب وعده بملاحقة أعدائه وإسقاط أنصار الدولة العميقة الذين عارضوه سلفا وتسببوا فى ملاحقته قضائيا، وهو ما بدأ بالفعل بعد ساعات قليلة من أدائه اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة فى ولايته الثانية. ونتيجة لذلك، تثير سياسات ترامب فى مواجهة الدولة العميقة تساؤلات جدية عن قدرة أنصاره على إدارة مؤسسات ضخمة ومعقدة، ودورهم فى تسييس أكبر المؤسسات التى يفترض استقلاليتها عن السلطة السياسية؛ فى إساءة استخدام واضحة للسلطة، وفى تحويل متعمد للمؤسسات إلى أدوات سياسية.

النص الأصلى:
https://rb.gy/mo979o

قضايا عالمية قضايا عالمية
التعليقات