ربما آن الآوان أن أحكى قصة يعرفها زملائى فى صحيفة الوفد...كانت سياسات الدكتور نعمان جمعة قد أغضبت عددا من الوفديين ومنهم منير فخرى عبد النور الذى عبر عن انتقاداته علنا، قرر نعمان الانتقام، وكنت واحدا من خمسة صحفيين شاورهم فى الأمر، كان غاضبا ويفكر فى طرد منير من الحزب، وكان رأيى أن ذلك خطأ، لأن منير قيادة وفدية محترمة ولايجوز التعامل معه بهذه الطريقة، والأفضل أن تحل المشكلة بالحوار وداخل البيت الوفدى. لكن الدكتور نعمان كان قد اتخذ قراره فعلا، ما أدى إلى تداعيات خطيرة أثرت على صورة الحزب العريق بالسلب، والمعنى هنا أنه لايجوز الإقصاء فى الوفد، الوفد لكل أبنائه.
الدين لله والوطن للجميع، ليس شعارا انتخابيا، وليس تعبيرا عن التآخى بين المسلمين والأقباط فحسب، إنه يعنى أن الوطن لكل أبنائه، الأغنياء والفقراء، الأقوياء والضعفاء، النافذين والسائحين على باب الله.
الوفد هو حزب الناس، بوتقة تنصهر فيها كل التيارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وعاء يحتضن حتى حركات الرفض السياسى والاجتماعى، ويحوّل غضبها العشوائى إلى معارضة منظمة، وهو ما ينبغى أن ينعكس على هيئته العليا وجمعيته العمومية ولجانه النوعية وخطابه السياسى .
على الوفد أن يعمل باعتباره حكومة ظل، يطرح برامج وسياسات بديلة، ولايتوقف عند نقد الحكومة ولعن النظام، التربية السياسية مسألة بالغة الأهمية، قد تؤتى ثمارها بعد حين، لكنها أفضل ألف مرة من البكاء طول الوقت على اللبن المسكوب.
يجب أن يدرك الوفد أنه فعلا أمل الأمة، وأن إنقاذ مصر من الفساد والاستبداد والفقر والتبعية وهواجس الحكم الدينى والعسكرى موكول إليه، ليس فقط بحكم التاريخ، وإنما استجابة لأشواق الناس نحو الديمقراطية والعدل، وهى ألفاظ يعرفها الوفد بالممارسة،ويتشدق بها آخرون باعتبارها وسيلة للوثوب إلى الحكم، أوموضة عالم مابعد الحرب الباردة.
لست حالما، ولا أتوقع أن يحكم الوفد مصر غدا،لكننى أعرف أن أمل الوصول للحكم هو مايميز الحزب السياسى عن أى جماعة ضغط، مهما كان هذا الأمل بعيدا أو صعب المنال، ومثل كثيرين شجعتنى المعركة الانتخابية على رئاسة الوفد، والسجال الراقى بين أباظة والبدوى، على مزيد من الطموح.الوفد فى حياتنا السياسية مثل مصر فى محيطها العربى، إن قوى قويت واشتد عودها، وإن هان هانت وانفرط عقدها.