فى بعض الأحيان يدرك المرء أنه مغفل سينما، فبعد قرابة نصف قرن أكتشفت أننى كنت أتعامل مع هذا الفيلم على أننى شاهدته بالتاكيد، لكن الصدفة جعلتنى أتأكد أنها المرة الأولى لرؤيته.
لكن بالتأكيد إن هناك أسبابا أبرزها أننى فى سنة إنتاج الفيلم عام 1974 كنت مجندا فى منطقة البحر الأحمر ولم أكن أنزل المدينة سوى فى إجازة شهرية، أما السبب الأساسى فهو الثالوث الذى يمثله الفيلم: محمود ياسين، وميرفت أمين، وناهد شريف، وأيضا عماد حمدى، تلك المجموعة التى تقابلت فى العام الأسبق مباشرة فى فيلم آخر عن «لا تتركنى وحدى» لحسن الإمام، وفى تلك الفترة أيضا كانت لمحمود ياسين حالة من التواجد الفنى أمام النجمات من جميع الأجيال اللائى كن يعملن فى السينما، وكم من مخرج استعان بأكثر من نجمة من أجل مشاركة البطولة لنجم تلك الفترة الأول محمود ياسين، ورغم أن فيلم «الساعة تدق العاشرة» مأخوذ عن رواية تأليف أمين يوسف غراب وإخراج بركات، فإن موضوع الأنف والثلاثة عيون تكرر من جديد، فالسائق الوسيم محمد وقعت ثلاث نساء فى البيت الذى يعمل فيه صريعات لغرامه، وهن زوجة صاحب الدار أنوار، وابنته نيفين، وبالطبع الخادمة التى جسدتها سهير البارونى.
المعروف أن محمود ياسين جسد شخصيات مماثلة أمام ناهد شريف فى أفلام أخرى منها: «لا تتركنى وحدى»، و«عندما يسقط الجسد»، وقد اعتمد القص فى كل هذه الأفلام على فكرة لهيب الجسد، وهى الفكرة التى سادت فى هذا العقد من عمر السينما المصرية، ومن الملاحظ أن مثل هذه الأعمال كانت بمثابة الخط الفاصل فى سينما بركات، المخرج الذى اعتمد على موضوع سلوك أبطاله النبيل مهما كانت المنافسات على الحب، وفى الفيلم تركيز على القوى الحسية لدى بطلته أنوار التى تجسدها ناهد شريف، فهى امرأة شهوانية متزوجة من رجل يكبرها فى السن، كان اسمها لواحظ قبل أن يتزوجها، عملت راقصة تزوجها أيام هوسه بجسدها، امراة ظلت على شهوتها وتعدد علاقاتها، وكانت صلتها بالسائق محمد تقوم على الجسد، والخيانة لكن هناك علاقة أخرى بريئة بين السائق ونيفين الطالبة بكلية الحقوق مثله حيث يدرس منتسبا، ولا شك أن وجود ناهد شريف ساعد فى تغيير صورة المرأة عند بركات، هذه الصورة المتكررة فى الأفلام والروايات والقصص القصيرة التى كتبها أمين يوسف غراب، الذى وجد فى سينما تلك المرحلة حالة من الازدهار، فالرجل ينتقل بسهولة بين المرأتين أنوار زوجة السيد، ونيفين الابنة، وكان يمكن لمحمد الوقوع فى إغراء الخادمة، لكن السيناريو رسم العلاقة فقط على أنها حالة كوميديا لا أكثر.
وعليه أن الفيلمين اللذين جمعا هذه المجموعة من الممثلين، وهما «لا تتركنى وحدى» والفيلم الذى نتحدث عنه، فالعلاقات هنا مركبة عاطفيا تدور بين أكثر من طرف، والقصص تمس نساء عبدالمجيد صاحب البيت، أى أن الرجل سوف يخسر فى كل الأحوال، ابنته، أو امرأته، وسوف تتزوج نيفين بالطبع من السائق، وسينتهى أمر المرأة الخائنة مثلما حدث لجميع نساء أمين يوسف غراب مثل «نساء محرمات»، لذا صار على بركات أن يتخلى عن الأبطال النبلاء فى أفلامه القادمة تقريبا لأنهم لم يعودوا موجودين مثلما سنرى فى أفلام منها: «حسن بيه الغلبان»، و«شعبان تحت الصفر»، وفيلمه الأخير «تحقيق مع مواطنة»، لعل هذا الأمر يفسر ما لم يكتب عنه أحد من قبل عن سبب التحول الحاد عند بركات الذى كان يميل للعمل مع فاتن حمامة ونجوم الغناء العاطفى، ومنهم فريد وعبدالحليم، والجدير بالذكر أننى قبل الكتابة شاهدت الفيلمين معا: «لا تتركنى وحدى»، وفيلم اليوم، وكم تشابهت العلاقات المتشابكة داخل الأسرة رغم اختلاف المخرج والكاتب،
الأمر الغريب أيضا، هو مثلما حدث لدينا فى السبعينيات، وأن الفيلمين المقصودين من بطولة نفس المجموعة من نجوم السينما المصرية، فإن العام 1957 شهدت هوليوود إنتاج فيلمين قام ببطولتهما روك هدسون، وروبرت ستاك، ودورثى مالون، والفيلمان هما «الملائكة المنشطرة»، و«مكتوب على الريح» الذى تم اقتباسه باسم «لا تتركنى وحدى»، أليست مصادفة تدعو للإشارة؟