المطلوب تقديم الحلول لا ممارسة المماحكات - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:59 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المطلوب تقديم الحلول لا ممارسة المماحكات

نشر فى : الخميس 31 أغسطس 2017 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 31 أغسطس 2017 - 9:25 م
إذا كانت الرأسمالية، الكلاسيكية منها والنيوليبرالية العولمية الحالية، لم تستطع عبر العصور أن تكون أدوات ذاتية قادرة على إصلاح نواقصها أو إخضاع قوانين أسواقها لقيم الأخلاق والعدالة والتضامن الإنسانى، وعلى تجنب تأرجحها بين أزمة وأخرى، وذلك بسبب طبيعة فكرها الاقتصادى المفرط فى أنانيته وانحيازه الأعمى لمنطق التنافس والهيمنة والإقصاء، فإنها ستحتاج عاجلا أو آجلا إلى فكر اقتصادى آخر ليقوم بمهمة تصحيح الأخطاء والخطايا فى هذا النظام المأزوم.
فما عاد باستطاعة هذا العالم أن يتعايش مع قَباحات من مثل امتلاك واحد فى المائة من البشر لخمسين فى المائة من ثروات العالم الإجمالية، هذا بينما يعيش أكثر من مليارى إنسان على دخل يومى لا يزيد عن الدولارين ويذهب مليار إنسان إلى فراشهم وهم جياع. ما عاد بالاستطاعة تحمل فواجع وكوارث الحروب العالمية والإقليمية والمحلية التى يؤدى إليها التنافس المجنون فيما بين الدول الرأسمالية أو الشركات الكبرى العابرة للقارات. ما عاد بالاستطاعة رؤية ثلث سكان المعمورة وهم يقضون حياتهم فى مساكن متهالكة وأكواخ قذرة مظلمة بائسة لا تصلح للسكن فيها حتى أقذر الحيوانات.
بمعنى آخر ما عاد من الممكن التعايش مع ما يصفه البعض «بالأزمة الشيطانية»: أزمة الاقتصاد والبيئة. هذا وضع لا تقبله الشرائع الإلهية ولا العدالة الإنسانية.
مطلوب منطلقات فكرية اجتماعية ــ سياسية تحل محل النظام النيوليبرالى البائس أو على الأقل تصحح الجوانب اللاإنسانية فيه. لا يهم مسمى هذا الفكر وإنما المهم هو أخذ المحتويات العلمية الموضوعية الإنسانية الأخلاقية العادلة أيًا يكن مسمى ذلك الفكر الأيديولوجى: ماركسى، اشتراكى، ليبرالى ديموقراطى، أو دينى سياسى.
***
نحن أولا نحتاج إلى تبنى أدوات الفكر الاقتصادى ــ السياسى التحليلى القادر على فهم سيرورة التاريخ البشرى، وعلى تشخيص أمراض الواقع، بما فيه إلقاء الضوء على أنواع وأسباب الخلل فى العلاقات الاجتماعية فيما بين من يملكون القوة والسلطة والثروة الاقتصادية، وبين من يرزحون تحت الإذعان المذل لكرامتهم الإنسانية فقط لكى يعيشوا الحياة فى أبسط حدودها الدنيا.
مرادف لارتباط الوعى بذلك الخلل الفادح فى العلاقات الاجتماعية مطلوب فضح الوسائل التى يستعملها أصحاب السلطة والجاه المالى لإقناع الناس بقبول تلك العلاقة والتعايش مع قيودهم وعبوديتهم واستغلال جهودهم وبؤسهم الاجتماعى.
ذلك الفكر التحليلى التشخيصى مطروح فى أعتى بلدان الرأسمالية النيوليبرالية المتوحشة. وهو يزيل الأغطية يوما بعد يوم عن فضائح استغلال العمال الفقراء فى العالم الثالث من قبل شركات بضائع الترف وصخب الموضات، وعن حقيقة أن سبعة فى المائة من البشر ينتجون خمسين فى المائة من الغازات الحرارية التى تسمم كوكب الأرض، وعن نهم الأرباح التى لا تريد أن تقف عند حدود، وعن التنافس الصراعى المرضى فيما بين شركات التواصل الاجتماعى وشركات تكنولوجيا روبوت المستقبل التى ستنهى مئات المهن وتنشر وباء البطالة فى كل أصقاع العالم، وعن السقوط المذهل للديموقراطية أمام هيمنة وجنون أصحاب الثروات الهائلة، وعن تراجع الإعلام من كونه سلطة رابعة مراقبة ومحاسبة ومجيشة للوعى والرفض إلى كونه ذيلا تابعا لإملاءات شركات الإعلان والمهرجانات والجوائز ونوادى الرياضة، وأخيرا عن ضعف وتهميش الحياة النقابية والأحزاب السياسية المتمردة الثورية.
بمعنى آخر عن فضح وتعرية النظام الاجتماعى ــ السياسى الاقتصادى الإعلامى الذى يرزح تحته العالم كله.
***
أمام ذلك التشخيص والتحليل العلمى الموضوعى غير المنافق وغير الكاذب نحن نحتاج، ثانيا، إلى فكر قادر على دمج السياسى والاجتماعى والاقتصادى والثقافى ليخرج لنا بحلول قادرة على تصحيح ما يظهره يوميا التحليل والتشخيص من عفن وعنف وفساد ووضع إنسانى بائس. لسنا هنا نتحدث عن حلول فى شكل نداءات وتوسلات تتوجه إلى الالتزامات الدينية أو التعاطف الإنسانى أو الواجبات الوطنية. إنما نتحدث عن بناء تركيبات وعلاقات وأنظمة ومؤسسات اجتماعية ــ سياسية تحمى الغالبية الساحقة من البشر من لهيب نيران ما يدعوا إليه الفكر الرأسمالى النيوليبرالى ويمارسه يوميا، أمام ضعف وعجز سلطات الدولة، وأمام تراجع ندية المجتمعات المدنية وأمام أكاذيب وتلفيقات الكثير من مراكز البحوث والدراسات المرتشية، وأمام تدجين تام للمدرسة والجامعة وضمير الثقافة.
لن ندخل هنا فى المماحكات المدعية بأن ذلك التحليل وتلك الحلول قابعة فى الفكر الماركسى أو الاشتراكى أو الليبرالى الديموقراطى أو الدينى السياسى أو العدمى الفوضوى. لقد أثبت التاريخ أنها جميعا عانت من نقاط ضعف، أو عدم توازن فيما بين هذا المكون أو ذاك، أو حتى تضاد مع مقتضيات الواقع الإنسانى عند التطبيق.
والسؤال: هل يستطيع هذا العالم أن يأخذ ميزات كل فكر وكل أيديولوجية وكل نظام دون خوف من الاتهام بالتلفيق والترقيع وتجميع الأضداد؟ دعنا، رجاء، أن لا ننشغل بالثرثرة والغناء الطفولى المضحك النيرونى بينما مدينة روما تحترق.
لنتذكر بأنه حتى ماركس نادى بضرورة وجود النظام الرأسمالى القادر على إنتاج فوائض مادية كافية للبشر، وذلك قبل الانتقال إلى النظام الشيوعى الذى دعا له واعتقد أنه سيحرر الإنسان.
دعنا ننشغل ببناء قوى اجتماعية وتضامنات سياسية قومية وعالمية قادرة على أن تأخذ زمام المبادرة وتقلب النظام الرأسمالى النيوليبرالى العولمى المتوحش المجنون الحالى من قدر لا فكاك منه من قبل الجميع إلى أن يكون أحد الخيارات للمجانين الذين يريدون الاحتراق فى أتونه، فتاريخ البشرية ملىء بهكذا مجانين.

 

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات