الإسكندرية في مرايا الأدب.. من أسطورة الكوزموبوليتانية إلى مرآة التحولات الاجتماعية - بوابة الشروق
الأربعاء 16 يوليه 2025 7:06 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

الإسكندرية في مرايا الأدب.. من أسطورة الكوزموبوليتانية إلى مرآة التحولات الاجتماعية

محمد حسين
نشر في: الأربعاء 16 يوليه 2025 - 2:42 م | آخر تحديث: الأربعاء 16 يوليه 2025 - 2:42 م

بين التاريخ والبحر، وبين التعدد والانغلاق، بقيت الإسكندرية إحدى المدن القليلة التي ألهمت الكُتّاب في الشرق والغرب على حد سواء. وخلال فعاليات الدورة العشرين لمعرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب، تعود المدينة إلى الواجهة، لا بوصفها فقط مركزًا ثقافيًا، بل ككيان روائي نابض بالأسرار والتناقضات.

من لورنس دوريل إلى نجيب محفوظ وإبراهيم عبد المجيد، رُويت الإسكندرية من زوايا مختلفة، في كل مرة بشكل جديد.

- الإسكندرية.. مهد التعدد الحضاري

الإسكندرية، التي تأسست قبل الميلاد، ظلت مدينةً تحتضن العالم، فكانت ملتقى لحضارات المتوسط، وميناءً للعلم والفن والانفتاح. حتى منتصف الخمسينيات، كانت المدينة مثالًا نادرًا على التعدد الثقافي، قبل أن تبدأ هويتها الكوزموبوليتانية بالتراجع، لكنها بقيت في الأدب أكثر حضورًا من الواقع.

- رباعية دوريل.. مدينة من تناقضات الهوية

الكاتب البريطاني لورنس دوريل قدّم الإسكندرية في رباعيته الشهيرة: "جوستين"، "بلتامس"، "ماونت أوليف"، و"كليا"، كمدينة لا تُحد بحدود، تتحرك بين الشرق والغرب، وبين الحب والتجسس، وبين الجمال والانحطاط.

في رواياته، تتنقل الإسكندرية من قصور الدبلوماسيين إلى أزقة الحواري، ومن مقاهي النخبة إلى أماكن المتعة الشعبية. رأى دوريل أن الإنسان ليس إلا امتدادًا لروح المدينة، بينما ظل ظلّ الشاعر كفافيس وكتاب "الإسكندرية: تاريخ ودليل" يُخيّمان على عالمه السردي.

- ميرامار لنجيب محفوظ.. فندق يختصر طبقات المدينة

في ميرامار، رسم نجيب محفوظ صورة داخلية لتحول المدينة بعد ثورة يوليو، من خلال شخصيات متعددة تعيش في بنسيون على البحر.

الرواية اختزلت صراع الطبقات وصعود قوى اجتماعية جديدة، وتوثيق تراجع الطبقة الأرستقراطية، لتتحول الإسكندرية إلى صورة مصغرة من مصر المتغيرة، حيث يُستبدل التعدد بالتوحد، والانفتاح بالتحفظ.

- رامة والتنين.. الإسكندرية كرمز روحي

في رواية رامة والتنين، صاغ إدورد الخراط مدينة الإسكندرية كمجال رمزي للنفس، وجعل منها فضاءً شعريًا يمزج بين الأسطورة والواقع.

لم تعد المدينة في نصّه مجرد مكان، بل تجسيدًا لصراعات الهوية والحب والتاريخ، حيث تتحول اللغة إلى مرآة تعكس الداخل أكثر مما تصف الخارج.

- ثلاثية إبراهيم عبد المجيد.. تفكيك المدينة عبر الزمن

بأسلوب توثيقي سردي، خاض إبراهيم عبد المجيد تجربة روائية عميقة تتبعت تحولات الإسكندرية عبر ثلاثة أعمال:

لا أحد ينام في الإسكندرية: انطلقت الرواية من قلب الحرب العالمية الثانية، حيث وجّه عبد المجيد الضوء نحو التعايش والتسامح وسط فوضى الاحتلال والجيوش الأجنبية.

طيور العنبر: تناول فيها حقبة ما بعد العدوان الثلاثي، حين غادر عشرات الآلاف من الأجانب المدينة، وانسحبت الكوزموبوليتانية، في مقابل محاولة الدولة صياغة هوية "مصرية خالصة".

الإسكندرية في غيمه: رصد فيها صعود التيارات الدينية وتراجع الحريات خلال السبعينيات. بدت المدينة في الرواية وكأنها تودّع آخر ما تبقى من روحها المنفتحة.

- مدينة كتبت نفسها أدبيا

ما يجمع هذه الأعمال الأدبية المتعددة أن الإسكندرية لم تكن أبدًا مجرد خلفية للأحداث، بل بطلًا حقيقيًا، بشوارعها وأصواتها ورائحتها وتاريخها. مدينة كتبت نفسها عبر الأدب، فتجسّدت في الحنين، في التغير، في الرمز، وفي الوداع.

الأدب لم يُخلّد فقط سيرة الإسكندرية، بل منحها حياة ثانية، أكثر بهاءً مما قد تمنحه الجغرافيا وحدها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك