منذ أشهر قليلة شهدت قريتى فى محافظة أسيوط معركة بالأسلحة النارية بين أقارب، مما أدى إلى إصابات كثيرة. السبب أن بعض السكان بدأوا الحفر أسفل منازلهم بحثا عن آثار يعتقدون فى وجودها.. الحفر كان سرا، ولم يكشفه إلا نشوب معركة بين أولاد العم والخال.
هذه الحادثة التى كانت غريبة على قريتى الهادئة.. بدأت تتكرر فى قرى ومدن مصرية كثيرة، خصوصا فى الصعيد.
بهوات غرباء متأنقون يركبون سيارات فارهة يأتون ليلا، يتفقون مع سكان غلابة أو الباحثين عن الربح الخاطف عبر الكنز الذى سيحل مشكلات الجميع بضربة واحدة.
بالطبع هناك تجارة آثار محرمة فى مصر.. قلة تحصل منها على أموال ضخمة، وآخرون يحصلون على الفتات، وبين هؤلاء وأولئك عمال فقراء يموتون أسفل الأنقاض دون أن يروا الكنز، مثلما حدث فى إحدى قرى الجيزة أخيرا.
يحدث هذا وتجارة الآثار محرمة.. تخيلوا لو تم تمرير مشروع القانون الذى يناقشه مجلس الشعب الآن، خصوصا المادة التى تسمح «لأى شخص يمتلك أثرا خاصا أن يسجله فى المجلس الأعلى للآثار خلال عامين».
لست خبيرا فى الآثار لأجيب عن التساؤل، لكن الرجل الذى يفترض أنه الأكثر فهما بحكم منصبه وخبرته وهو الدكتور زاهى حواس رئيس المجلس الأعلى للآثار صرخ بأعلى صوته قائلا: «هتشوفوا السنين اللى جاية دى هيبقى فيها سرقات وتهريب للآثار قد إيه»، إذا تم تمرير المادتين الثانية والثامنة من القانون.
وقال حواس: «ناس كثيرة تتصل بى وتقول ربنا ينصرك على فلان فى قانون الآثار».
حواس وفاروق حسنى وزير الثقافة استنجدا بنواب المعارضة والمستقلين لعرقلة تمرير مشروع القانون، الذى ــ وحسب خبراء ومسئولين ــ سيؤدى إلى نشوب حروب أهلية بين المواطنين سيصابون بحمى التنقيب عن الآثار مادام القانون الجديد سيشرع هذه التجارة.
الجميع الآن يسأل وبصوت عالٍ: ما هى الحكمة وراء الرغبة المحمومة فى تمرير القانون بهذا الشكل؟.. ومن هم باختصار المستفيدون من هذا القانون؟!
ليس سرا أن كثيرين صاروا يقولون إن الهدف الوحيد من القانون هو أن هناك شخصيات كبيرة جدا ومعروفة تملك آثارا بالفعل وتتاجر فيها بالداخل والخارج، وأنها تعبت من العمل فى الظلام، وتريد تشريعا يجعل عملها مقننا، وأن تجارة الآثار المصرية المهربة المزدهرة فى أوروبا تريد مجال عمل أوسع وحماية قانونية.
يقال ما هو أكثر، لكنه ليس مؤكدا، ونشره فى هذا المكان يعرضنى للمساءلة القانونية.
لكن المرء لا يملك إلا أن يتساءل: هل وصلت درجة «البجاحة والفجر والبلطجة» إلى حد المطالبة بتشريع تجارة الآثار، وإقناعنا بأنهم لا مصلحة لهم فى ذلك؟
ألا يوجد من هو قادر على وقف هذه الحرب الأهلية داخل الحكومة، ولماذا يضع بعض الكبار أنفسهم فى دائرة الشبهات، هل تنقصهم الأموال، أم أنهم يعملون لمصلحة من هو أكبر منهم؟!
ثم إذا كان البعض مصرا على تمرير القانون هذا الأسبوع بحجة أنه استغرق عاما.. فلماذا لا يصر على تمرير قوانين أخرى مركونة من أعوام؟!
ويا أيها المشبوهون.. قليلا من الحياء..
وإذا بليتم فاستتروا.