أيام قليلة وتنقضى الدورة الخمسون من معرض القاهرة الدولى للكتاب. أسبوعان كاملان تقريبا وحالة ذهول حقيقية تصيب كل من زار المعرض أو تابع أخباره أو اتصل به بسبب مباشر أو غير مباشر!
النجاح الساحق لدورة هذا العام لم يكن أحد أبدا يتوقعه أو يتوقع مداه حتى فى أذهان ومخيلة أكثر المغرقين فى التفاؤل.
نعم. نجح المعرض نجاحا ساحقا رغم نقله من مقره القديم بمدينة نصر إلى التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة وظن الكثيرون وأنا منهم أن نقله سيكون سببا مباشرا فى قلة الإقبال عليه وضعف المبيعات والخروج بدورة قد تكون الأضعف فى السنوات الأخيرة!
لكن المفاجأة المدوية أن العكس هو الذى حدث! ليس لدى تفسير مباشر وصريح.. لكن دائما البشر وحدهم، والناس فقط هم الذين يكسرون بإرادتهم الحرة أى توقع وهم الذين ينجحون أى حدث مهما كان وبتدفقهم الذى لم ينقطع طيلة أيام المعرض منحوا معرض الكتاب تفوقا وتميزا وحضورا ليس له مثيل.. شىء مذهل ومفرح ورائع!
ورغم الإرهاق والتعب الشديدين كنت أعود يوميا من المعرض وأنا فعلا أشعر بسعادة غامرة وبهجة حقيقية وامتنان لا حدود له لهؤلاء البشر الطيبين الودعاء الذين جاءوا من كل مكان فى مصر كى يشتروا كتبا ويقرأوا ويقدموا لكتابهم وناشريهم أعظم هدية لا أقصد الربح المادى وإنما الحضور الجارف الذى يمنح الحيوية والطاقة والشغف. كيف أشعر بالتعب وأنا أشاهد هذا الجمهور الكبير؛ رجالا ونساء وأطفالا يقفون فى طوابير طويلة جدا منتظرين الدخول؟ وكيف يمكن أن أشعر بالإرهاق وأنا أرى شبابا وصبايا رائعين ورائعات يرشدون الزوار ويعملون على راحتهم؟ هؤلاء البشر عظيمون بكل ما تعنيه الكلمة.
بعضهم جاء من أسوان ومن البحر الأحمر وأسيوط والوادى الجديد؛ طبعا ولا تحدث عمن جاء من الإسكندرية ودمنهور وطنطا والشرقية وكفرالشيخ والمنصورة؛ حكى لى أصدقاء كثيرون من الناشرين الأعزاء عمن جاء من أقصى مكان إلى معرض الكتاب كى يشترى كتبا طلبها أهله واصدقاؤه الذين ينتظرون المعرض كل عام لإرسال ابنهم أو ابنتهم فى هذه المهمة الشاقة والتى يقبلان على القيام بها فى غاية من السعادة والشغف سعادة حقيقية لا توصف؛ فضلا عما يشتريه أو تشتريه أيضا من كتب وروايات.
شىء جميل والله العظيم!
هذا على المستوى الجماهيرى الخالص الرائع، فماذا عن الفعاليات ولقاءات الكتاب والمثقفين والمعنيين عموما بالثقافة والأدب والفكر؟
فى ظنى أن دورة هذا العام شهدت أكبر تجمع حقيقى للمثقفين والكتاب العرب خلال السنوات العشر الأخيرة. كتاب ومؤلفون جاءوا من لبنان والمغرب والعراق وسوريا والسودان والجزائر والكويت والسعودية؛ ومن أوروبا وكندا وأمريكا وإفريقيا! حشد هائل ليس فيه ادعاء ولا اصطناع ولا تكلف ولا مساحيق تجميل! جاءوا واستمتعوا بلقاءاتهم ومناقشاتهم وأمضوا أوقاتا لا أظن أنهم ينسونها وكلهم يبدى محبته لمصر وقيمتها ومكانتها الحضارية والتاريخية.
لقد تعودت كل عام مع انطلاق معرض القاهرة للكتاب تدوين ما أسميه «يوميات المعرض»، أسجل بكل دقة تفاصيل ومشاهدات كل يوم فى المعرض، مقابلات الأصدقاء وما دار فيها، الفعاليات التى حضرتها، وأخيرا الكتب التى اقتنيتها وإشارات سريعة عنها أو عن السبب الذى جعلنى أقتنيها. كل ذلك داومت على كتابته لسنوات طويلة، وما زلت أحتفظ به حتى اللحظة، أما هذا العام لجأت إلى أسلوب التسجيل الصوتى لمواكبة كل ما يمر أمامى حتى لا تضيع تفصيلة هنا أو هناك.
كتبت ما يقترب من كتيب صغير عن حصاد جولات هذه الدورة والكتب التى اقتنيتها. ببساطة، شعورى بمعرض الكتاب هذا العام مختلف فعلا، أشعر بألفة عميقة جدا مع كل تفصيلة فيه، ومهما كان لدينا من ملاحظات على أمور تنظيمية أو إجرائية هنا أو هناك فإننا لا نملك إلا الاعتراف بأن معرض الكتاب هذا العام قد نجح نجاحا يستوجب الفرح والفخر وأن تكون بلدنا فى كل ما تنظمه من مناسبات وأحداث كبرى على هذا المستوى وأن تحقق هذا النجاح الرائع الكبير.. وكل معرض كتاب وأنتم بخير.