نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالًا للكاتب عبداللطيف الزبيدى، يحذر فيه من التأثير السلبى لتقنيات الذكاء الاصطناعى على اللغة العربية ومهارات التعبير لدى مستخدميها، لكن الكاتب لم ينسَ إلقاء الضوء على جانب إيجابى محتمل لهذه التقنيات يتمثل فى رفع مستوى الإبداع اللغوى.. نعرض من المقال ما يلى:
أليس على أهل اللغة والمثقفين والمناهج، أن يجودوا ببعض وقتهم للتفكير فى الأعراض الجانبية المحتملة، للذكاء الاصطناعى على سلامة اللسان العربى؟ كان القياس سهلًا بعد ظهور الآثار فى مجال الطب. الفئات المذكورة لا تحتاج إلى براهين على أن لغتنا ليست فى أزهى أيامها. فى الأقل وأضعف الإيمان، لا يغيبن الاستشراف اللغوى، إذا غاب الاستشراف الإدارى التنموى والعلمى عن جل المضارب العربية.
أمس، أرتنا الدراسة البولندية أن الأطباء تنخفض خبراتهم عندما يستعينون بالذكاء الاصطناعى، مع أن النتائج فى النهاية أفضل وأدق وأسرع بفضل ذكاء الآلة، خصوصًا فى الأمراض المستعصية. الحل المثالى إذا، هو أن يُستعان بالخوارزميات، من دون أن يفقد الطبيب، ولو مثقال ذرة من خبرته ومهارته. وسائط الإعلام براء من البحث عن الحلول، فأهل الاختصاص أدرى بالخلاص. لكن، ألا ترى المقارنة فاغرة فاها؟: يا ويلتاه، يعنى أن الكتاب والشعراء الذين يستعينون بالخوارزميات، فى التدقيق اللغوى وإعادة الصياغة، وفى فنون التحرير الإعلامى، سينخفض منسوب تقنيات التعبير وجمالياته لديهم؟ أما المؤرخون العرب فهم مستثنون من هذه المخمصة، فكتابة التاريخ تنازل عنها المشتغلون بها للذين يكتبون التاريخ المضاد للعرب.
الخيال الكاريكاتورى مفيد فى إذكاء الاستشراف. لك أن تتصور مثلًا، مشاهد القدرات التعبيرية بالحرف والكلمة، بعد عقدين أو ثلاثة. فى هذه الأثناء، إذا صح أن الخبرات اللغوية ستنخفض لا محالة، فإن العربية فى مجالات شتى، وحتى فى المراسلات الإدارية بين الوزارات والمؤسسات، ستورث العالم العربى عشرات الملايين من غير القادرين على كتابة لغتهم الأم حتى فى الأمور العادية، وسيكون للميادين الإبداعية نصيب شظايا من هذه الكمائن.
كالعادة، فى كل مأساة شذرات من ملهاة. تفاءلوا بالشفاء تجدوه، فإذا صار كتاب الأغانى يعهدون إلى الذكاء الاصطناعى بكتابة نصوص الأغانى، وهو الذى يمتلك كلمات الأغانى فى جميع اللغات، فسوف يهوى بمهند صارم على الهبوط، ويجعل الملحنين الجيدين يبدعون، ولا يرتضون لإبداعهم حناجر دون المستوى. سيصغى العرب إلى أشعار وأغانٍ، هى شهد مصفى، مختلف ألوانه، مستلهم من روائع الشعر العربى، متناغمة مع بدائع أسرتى سونغ وتانغ الصينيتين، وجلال الدين وحافظ الشيرازى، ولامارتين وألفريد دوفينيى. وهكذا ستكون القصة القصيرة والرواية والمسرح، وهلم إبداعًا بالذكاء الاصطناعى.. رب ضارة سارة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التفاؤلية: إذا أخذ الذكاء الاصطناعى زمام التعبير الإبداعى، فسوف يقول للمواهب الزائفة، متمثلًا بقول الحطيئة: «تنحى واقعدى منى بعيدًا».