ما حدث فى قصة الخلاف بين النجم العالمى محمد صلاح ووكيله الإعلانى، من جهة واتحاد الكرة المصرى من جهة أخرى، بشأن حقوق الرعاية، هو مثال جديد على منطق الهمبكة والفهلوة، السائدة فى مؤسسات كثيرة. هى انكشفت هذه المرة لأنها تتعلق بحقوق لأطراف دولية محترفة.
صلاح متعاقد مع وكيل إعلانى هو رامى عباس، الذى يمثله إعلانيا فى كل مكان. اتحاد الكرة تعامل مع صلاح وكأنه أحد لاعبى فرق الدرجة الرابعة فى مصر، وقرر من تلقاء نفسه أن يضع صورة صلاح على طائرة الفريق منفصلة عن بقية لاعبى الفريق، ثم حصل على أموال من شركة الاتصالات الراعية للمنتخب، فى حين أن صلاح متعاقد مع شركة اتصالات أخرى منافسة. اللوائح تقول إنه من حق الاتحاد وضع صورة صلاح مع الفريق ويستغلها إعلانيا، باعتبار أن صلاح أحد لاعبى المنتخب، لكن ليس من حقه استغلال صلاح إعلانيا بصورة منفصلة.
الوكيل أرسل للاتحاد يطالبه بتصحيح الوضع، فلم يتلق ردا، حتى غرد صلاح قائلا: «بكل أسف طريقة التعامل فيها إهانة كبيرة جدا، كنت أتمنى التعامل يكون أرقى من كده»!!. بعدها تعاطف الآلاف مع صلاح، وصار الهاشتاج يتصدر تويتر بمشاركة أكثر من ٦٥ ألف تغريدة فى عدة ساعات، خصوصا أن صلاح نشر «ايموشن» يبدو فيه مخنوقا.
اتحاد الكرة وبدلا من مواجهة المشكلة الأصلية، أرسل ردا غريبا للوكيل، لجأ فيه لعبارات إنشائية من قبيل: «أن اللاعب ابن عزيز نفتخر بانتمائه للوطن، وإننا نحاول أن نحميه من أى محاولات لأطراف ثالثة تسعى للتربح من ورائه».
أصل المشكلة أن الاتحاد حاول القرصنة على حقوق ليست له، وعندما انكشف الأمر، وظهر التعاطف الشعبى الواسع مع صلاح، وتبين أن الأمر لن يمر بسهولة، جاء الحل من أعلى بالتغريدة التى أطلقها وزير الشباب والرياضة خالد عبدالعزيز حين قال: «تم الاتفاق مع المهندس هانى أبوريدة على تنفيذ جميع طلبات الكابتن محمد صلاح، وإننا سنقف جميعا بجواره لتنفيذ جميع عقوده التى أبرمها فى إنجلترا حتى لا يتعرض لأى مشكلة». وبعدها جاء الرد المتأخر من اتحاد الكرة وإعلانه أن أبوريدة هاتف صلاح وقال له «إن أى شىء سبب لك إزعاجا لن يستمر، والأهم عندى راحتك النفسية، أنت وزملاؤك، لترفعوا رأس بلدكم فى كأس العالم، ولا توجد مشكلة غير قابلة للحل خاصة فى الأمور التسويقية والتجارية».
حسنا فعل الوزير الذى قال إن الأزمة ستنتهى تماما خلال ١٥ يوما، وهو الأمر الذى جعل صلاح يغرد مرة ثانية شاكرا كل من تضامن معه فى الأزمة.
ما سبق هو التفاصيل التى قرأها معظمنا فى وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية، لكن ماذا عن المغزى والدروس التى يفترض أن نخرج بها من هذه الأزمة؟!
من الواضح أن الدرس الأول هو الطريقة الكارثية التى تم التعامل بها فى الأزمة.
هل اتحاد الكرة يجهل المبادئ الأساسية بشأن حقوق الرعاية؟!.
قرأت تصريحات لبعض نواب البرلمان يتهمون جماعة الإخوان الإرهابية بمحاولة استغلال الأزمة وإعادة إشعالها من جديد؟!
من الطبيعى أن تستغل «الجماعة» أى حادث مهما كان تافها، لكن أليس من المنطقى أن نحاسب أولا الذين تسببوا فى خلق الأزمة من الأساس ثم تصعيدها إلى هذه الدرجة وأعطوا الإخوان هذه الفرصة؟!.
كان المنطقى أن يسعى الاتحاد لاستغلال حالة نموذج محمد صلاح وتألقه فى التحضير والاستعداد لكأس العالم، بدلا من دفعه إلى حالة «الخنقة» التى وضعها على صفحته!.
بالمناسبة لا يوجد فارق كبير بين العقلية التى تعامل بها المسئولون مع هذه الأزمة، والعقلية التى تعامل بها المسئولون فى أزمة الأمطار والعواصف الأخيرة خصوصا فى التجمع الخامس.
مرة أخرى، ستمر أزمة حقوق الرعاية على خير إن شاء الله، لكن علينا أن نسأل: كيف لا يمكن استنساخ مثل هذه الأزمة فى مؤسسات أخرى فى الفترة المقبلة؟!.. وهل هناك أسرار أخرى لم نعرفها فى هذه المأساة، ومتى يتوقف البعض عن الفهلوة والهمبكة التى إذا جاز أن تحدث عندنا، فهى لا يمكن أن تمر بالخارج؟!
نحتاج إلى إدارات ومؤسسات تعمل بمنطق المحترفين، ليس فقط فى ملاعب الكرة، ولكن فى سائر المؤسسات الأخرى؟!.