نشرت جريدة القبس الكويتية مقالًا للكاتب أحمد الصراف، يعرض فيه القيمة الحقيقية للألماس وكيف تم بناء وتثبيت مكانته الرومانسية والسوقية العالية، مُشيرًا إلى أنها لم تنبع -بالضرورة- من ندرته الطبيعية، بل بشكل أساسى من التسويق المتقن والتحكم المصطنع فى السوق من قبل شركة «دى بيرز».. نعرض من المقال ما يلى:
ليس هناك شىء يضع أكبر ابتسامة مشرقة على وجه امرأة، ويملأ عينيها بفرح حقيقى، أكثر من إهدائها خاتما ألماسا قيمًا، فقد ارتبط الألماس، خاتمًا كان أو قرطًا أو عقدًا أو إسوارة، بالحب والعشق والإخلاص، وبأنه حبيب المرأة الأبدى، ويمثّل أغلى هدية لديها، ودليلًا على مشاعر حب طاغية!
بالرغم من أن الألماس كان دائمًا ذا قيمة عالية، فإن ذلك لم يكن نتيجة ندرته، كلوحات مشاهير الرسامين أو تماثيل الفنانين العالميين، بل بفضل مزيج من ظروف التعدين التاريخية، والتحكم المُصطنع فى السوق، إضافة للتسويق الاستثنائى. فقبل 80 عامًا تقريبًا، وبالتحديد فى 1947، لم يكن لخاتم الألماس بريقه الحالى، ولا صيته الدولى، ولا جانبه الرومانسى.
يعتبر الألماس الجيد، الذى يعود أصل تسميته لكلمةAdamas، وتعنى الصلب باليونانية، من أكثر الأحجار الكريمة وفرةً، خاصة فى إفريقيا وروسيا وأستراليا وكندا، ولا تُمثّل الأنواع العالية الجودة منه سوى جزء صغير مما يُستخرج. ومع ذلك، فإن المعروض منه كافٍ لتلبية الطلب العالمى، إضافة إلى المُصنّع منه فى المختبرات.
تحكمت شركة «دى بيرز»، الجنوب إفريقية، منذ عام 1888 بالألماس، استخراجًا وصناعة وسعرًا، وهى الشركة التى أسسها البريطانى «سيسل رودس»، بعد استحواذه على مناجمه، وكان أحدها مملوكًا لعائلة هولندية تُدعى «دى بيرز»، فأطلق الاسم على شركته. وخلال سنوات أصبحت دى بيرز تتحكم فى 90% من سوق العالم، لتنخفض النسبة فى العقود الأخيرة.
صمدت دى بيرز أمام كل الأزمات والحروب والكوارث والانهيارات المالية الكبرى، بسبب سياساتها المتحفظة وقوتها، ونجاح حملات تسويق منتجها، التى كان أفضلها ابتكار شعار الماسة تدوم للأبد «diamond is forever»، الذى فجّر الطلب العالمى على الألماس، وأصبح له معناه الحديث والجذاب. لكن البعض يعتبر أن ما قامت به «دى بيرز» يعد أكبر خدعة أو كذبة تم تسويقها فى القرن العشرين، فالألماس أساسًا ليس سلعة نادرة، لكى يكون بتلك القيمة العالية. ولإنجاح خطط تسويقه بشكل كبير تم ربط إهدائه أو تملكه بالحب والزواج، وخلق رغبة قوية لدى أى امرأة للحصول عليه، ومن أجل ذلك سخّرت «دى بيرز» مختلف الوسائل لترسيخ ذلك المفهوم، سواء من خلال إيراده فى الروايات الشهيرة، أو فى الأفلام السينمائية الناجحة، والأغانى العاطفية، إضافة للحملات الإعلانية الباذخة والشديدة الإقناع، أو الطلب من مشاهير السيدات ارتداءه.
يُعدّ الألماس العالى الجودة أندر بكثير من الماس الصناعى، على الرغم من أن كليهما يتشكلان فى النهاية من خلال العمليات الجيولوجية نفسها، والماس المُنتَج صناعيًا صالح للقطع والطحن والحفر، كونه يفتقر إلى النقاء واللون والجمال اللازم للمجوهرات، وهذا يبقى حوالى 20% من الماس المُستخرج سنويًا على أنه عالى الجودة، ومن بينها نسبة أصغر مرغوبة للغاية نظرًا للون، والنقاء والحجم الاستثنائيين Rarity Within، خالية من العيوب، أو عديمة اللون، وهذه نادرة للغاية.
تُقاس درجات نقاء الألماس بواسطة مقياس المعهد الأمريكى للأحجار الكريمة (GIA)، حيث تبدأ من FL Flawless الخالى من العيوب، وتصل إلى Included الذى به شوائب واضحة. وتُحدد درجة النقاء بناءً على عدد وحجم وموقع الشوائب المرئية تحت المكبرات الخاصة.
للعلم: الإيمان والقبول بالتخلى عن شىء ثمين مقابل بضع أوراق نقدية، لا قيمة لها، لا يختلفان كثيرًا عن إيماننا بالقيمة السوقية للألماس. فكما للنقود بنوك مركزية تحافظ على قيمتها السوقية، فللألماس بنكه المركزى وهو شركة «دى بيرز»!