فى الأسبوع الماضى كنت أركب سيارة يقودها أخ عراقى فاضل، ومررنا داخل المنطقة الخضراء فى بغداد، وحينما سألته عن المنطقة وكيفية المرور منها. فوجئت به يسألنى: أليس لديكم فى القاهرة مناطق شبيهة بالمنطقة الخضراء؟!
فى هذا اليوم كان معى داخل السيارة الصديق العزيز أكرم القصاص رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير اليوم السابع. وكنا متوجهين لمقابلة رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى ضمن وفد صحفى مصرى يترأسه كرم جبر رئيس المجلس الأعلى للإعلام ويضم رؤساء تحرير الصحف المصرية.
بالطبع رددت أنا وأكرم على الأخ العراقى وقلنا له: «لا، لس لدينا مناطق خضراء أو زرقاء». هو استغرب وكان يتصور أن الهجمات والعمليات الإرهابية التى ضربت مصر فى السنوات الماضية قد قادت إلى وجود مثل هذه المنطقة الخضراء أو الحمراء أو حتى الكحلى!
لمن لا يعرف فإن المنطقة الخضراء فى العراق تضم مقرات رئيس الوزراء والوزراء ومجلس النواب والعديد من المؤسسات والمكاتب والمقرات المهمة إضافة إلى السفارة الأمريكية. هى منطقة واسعة جدا مكانيا، ولا يحق لأحد دخولها إلا إذا كان يحمل تصريحا أمنيا يجيز له الدخول كفرد أو بسيارة وحسب مركز ومنصب الشخص يكون لون البادج مختلفا.
داخل هذه المنطقة العديد من العناصر والمجموعات الأمنية بسيارات شرطة وجيش لديها العديد من الأسلحة الخفيفة والثقيلة. وبعض العناصر الأمنية يرتدون الأقنعة والملابس الواقية من الرصاص.
بالطبع فإن العراق الشقيق لم ينشئ هذه المنطقة الخضراء إلا بعد أن تكاثرت العمليات والتفجيرات الإرهابية التى كانت تستهدف الجميع، وليس فقط قوات الاحتلال الأمريكى، وبعضها كان عشوائيا وهدفه إيقاع أكبر عدد من القتلى بين الناس العاديين فى الشارع. وحسب قول عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة، فإن غالبية الحدود انفتحت أمام الإرهابيين الذين كانوا يتقربون إلى الله بدماء العراقيين!
الانتشار الأمنى فى العراق، ليس مقصورا على المنطقة الخضراء، فيمكن للمتجول فى شوارع بغداد أن يلحظه فى العديد من الأماكن. وظهر يوم الإثنين قبل الماضى، كانت هناك تظاهرة احتجاجية فى ساحة ضخمة قرب وزارة التخطيط وعند منزل جسر الجمهورية. عدد المتظاهرين كان قليلا، لكن عدد رجال الأمن فاق الألف شخص، إضافة لسيارات شرطة كثيرة ومجهزة.
الدولة العراقية كانت ولاتزال مضطرة لهذا الانتشار الأمنى، لأن الإرهاب الأعمى لايزال موجودا، رغم أنه تراجع كثيرا مقارنة بالسنوات الماضية، ونتذكر أن تنظيم داعش الإرهابى استولى على أكثر من ثلث مساحة العراق عام ٢٠١٤، ولم يندحر إلا بتضحيات ضخمة منها أرواح آلاف العراقين ناهيك عن الخسائر المادية الفادحة.
وصارت الأحوال الأمنية الآن أكثر استقرارا بعد الضربات الأمنية الموجعة للتنظيمات الإرهابية.
أعود لسؤال السائق العراقى، حيث إن كثيرا من المصريين لا يدرك نعمة الأمن والاستقرار التى يعيشون فيها، لأنه والحمد لله، لم يجرب أن يفقدها إلا لفترات قليلة بعد سقوط حكم جماعة الإخوان فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، حينما هاجم أنصارها الكنائس وفجروها، ثم هاجموا العديد من مديريات الأمن وأقسام الشرطة وبعدها صعدوا هجومهم ضد المجتمع بأكمله بتفجير أبراج الكهرباء فى سائر المحافظات إضافة إلى التخريب المتعمد لممتلكات الدولة والأفراد فى شمال سيناء.
كانت تلك أيام صعبة جدا، لكن فى عز هذه العمليات الإرهابية لم تتوقف الحياة، ولم تنشأ مناطق خضراء. وكان يمكن لأى مواطن أن يسير بسيارته أمام مقر رئاسة الجمهورية ويدخل بسيارته إلى الشوارع التى يوجد فيها مجلس الوزراء والبرلمان وكل الوزارات وكذلك مديريات الأمن وأقسام الشرطة.
نعم حدثت صعوبات لبعض الوقت فى شمال سيناء لكن الحياة استمرت والأمن عاد والحمد لله.
قد يستغرب البعض ويندهش لأنى أكتب عن هذا الموضوع. وقد يعتبر البعض ذلك مبالغة أو تهربا من مناقشة قضايا أكثر أهمية مثل الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
وأقول بوضوح إن هذه الأزمة موجودة ولا ينكرها إلا أعمى، لكن من المهم أن نتذكر بين الحين والآخر نعمة الأمن والأمان والاستقرار التى نحيا فى ظلها ولا يمكن أن نحل مشاكلنا المختلفة إلا بوجودها.
غياب الأمن، لن يجعل أى شخص يفكر فى أى أزمة أخرى، فالأساس أن تكون آمنا على حياتك أولا، وبعدها يمكنك أن تناقش أى شىء آخر.
الحمد لله على هذه النعمة الكبرى، ونسأل الله أن يمن على الشعب العراقى وسائر الشعوب العربية والإسلامية بهذه النعمة المهمة جدا.
ونهنئ الأشقاء فى العراق ببدء استعادة حياتهم الطبيعية بعد أن تحقق الأمن والاستقرار فى معظم مناطق البلاد إلا قليلا.