نشر موقع «بلومبرج» تقريرا للكاتب مارك تشامبيون وآخرين حول تداعيات أزمة فنزويلا الأخيرة وتأثيرها على مصالح القوى الكبرى..
استهل الكتاب حديثهم بالإشارة إلى تأييد الولايات المتحدة للانقلاب العسكرى الذى حدث فى عام 2002 ضد الرئيس الفنزويلى «هوجو تشافيز». لكن زعيم الثورة «البوليفارية» عاد إلى منصبه مرة أخرى فى غضون ثلاثة أيام ــ وهو ما أدى إلى زيادة حدة معارضة الولايات المتحدة الأمريكية عن أى وقت مضى. إن القرار الذى اتخذته واشنطن بخصوص الاعتراف بزعيم الجمعية الوطنية «خوان جوايدو» كرئيس شرعى للبلاد، جعل الرئيس الحالى «نيكولاس مادورو» متشبثا بالسلطة، وهو ما يؤدى إلى وجود مناخ جيوسياسى مختلف للغاية فضلا عن تداعياته العالمية.
من الجدير بالذكر أن الاقتصاد الفنزويلى يعانى حالة ضعف شديدة، وهو ما دفع بالملايين إلى الهجرة إلى دول الجوار التى دعمت الولايات المتحدة فى رفض الاعتراف بإعادة انتخاب مادورو عام 2018، والتى ينظر إليها على نطاق واسع على أنها انتخابات مزورة. ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن العديد من حكومات أمريكا اللاتينية أدانت الانقلاب العسكرى ضد هوجو شافيز باعتباره مناهضا للديمقراطية. أما الآن فنرى دعم الجيش للديكتاتور مادورو، وذلك من أجل مواجهة المعارضة المحلية والدولية.
***
مع ذلك، فإن المواجهة الحالية تتماشى مع التنافس بين القوى العظمى ــ الصين وروسيا والولايات المتحدة ــ التى بالكاد كانت موجودة فى فنزويلا قبل 16 عاما. وهذا يوفر لمادورو دعما دوليا فى مواجهة واشنطن. كما أن هذا من الممكن أن يخلق مخاطر على الاستقرار طويل الأجل للبلاد، خاصة فى حالة قيام هؤلاء اللاعبين الدوليين الأقوياء بالبحث عن مصالحهم سواء ضمان قروضهم وحماية استثماراتهم أو مصالحهم السياسية.
ولقد تمت إضافة الانقسام الأيديولوجى ــ حول ما إذا كان يجب إعطاء الأولوية للديمقراطية أم للسيادة ــ إلى الانقسامات التقليدية بين اليمين واليسار حول ما يجب فعله حيال فنزويلا. وقد انضمت تركيا إلى معسكر مادورو لمؤيدى الدكتاتورية، عاقدة العزم على تجنب ظهور سوابق جديدة للانتفاضات المؤيدة للديمقراطية التى يمكن أن تهدد ذات يوم مواقفها. وفى هذا السياق قال المعارض «أليجاندرو مارتينيز أوبيدا»: «إننا قلقون من تحول ذلك إلى منافسة جيوسياسية».
لقد استغل مستشار الأمن القومى «جون بولتون» تلك المخاوف عندما شرح للصحفيين لماذا قررت الولايات المتحدة فجأة التدخل فى بلد كان يُنظر إليه فى السابق على أنه يشكل تهديدا محدودا للمصالح الأمريكية. وقال بولتون: «الحقيقة هى أن فنزويلا فى نصف الكرة الأرضية»!.
وذكر السيناتور الأمريكى ماركو روبيو فى تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» أربعة أسباب وراء اهتمام الرئيس دونالد ترامب بفنزويلا، بالإضافة إلى اقتراح مزعوم قدمه مادورو لاستضافة قاعدة جوية وبحرية روسية «فى نصف الكرة الأرضية لدينا».
ليس من الواضح إلى أى مدى ترغب الإدارة الأمريكية فى الإطاحة بنظام مادورو. وفى السياق ذاته قال مسئول أمريكى لاتينى فى الأمم المتحدة بنيويورك إن حكومته على اتصال مع واشنطن بشأن هذه القضية، وتدرك أن الخطة هى ممارسة ضغوط تدريجية لإجبار الزعيم الفنزويلى على تقديم استقالته بدلا من التغييرالفورى للنظام.
***
لقد اجتمعت كل من روسيا والصين على منع إعلان أى مواقف رسمية حول فنزويلا فى اجتماع مجلس الأمن. وأكد وزير الخارجية الأمريكى «مايك بومبيو» للأمم المتحدة أنه ينبغى الاعتراف بأن «جوايدو» زعيم شرعى للبلاد، وذلك بسبب دعم بكين وموسكو للنظام الفاشل على أمل استرداد مليارات الدولارات فى استثمارات غير مدروسة ومساعدات تمت على مدى السنين. واتهم سفير روسيا لدى الأمم المتحدة الولايات المتحدة بمحاولة هندسة انقلاب فى كاراكاس، فى حين قالت الصين إن هذه المسألة لا تخص الأمم المتحدة على الإطلاق.
لقد قامت روسيا والصين بمراهنات جيوسياسية مهمة على فنزويلا على مدى العقد الماضى، حيث استطاعتا ملء الفراغ الاستثمارى والأمنى نتيجة تراجع واشنطن فى فنزويلا.
ولقد تحدث وزير الخارجية الفنزويلى «خورخى أرياسا» فى الأمم المتحدة عن أن تدخلات الولايات المتحدة فى المنطقة يعود تاريخها إلى مبدأ مونرو فى عام 1823. واتهم «أرياسا» الولايات المتحدة بمحاولة «إثارة حرب أهلية فى فنزويلا».
***
سعى مادورو إلى تخفيف حدة التوترات من خلال التراجع عن قراره السابق بطرد جميع الدبلوماسيين. وفى هذا السياق ذكر فى مقابلة مع CNN ــ Turk أنه: «ما زال يؤمن بالحوار». واستطرد قائلا أنه يريد من دبلوماسييه «الدفاع عن المصالح الفنزويلية فى الولايات المتحدة».
لقد ساعد رد فعل الصين وروسيا على التدخل الأمريكى فى مناطق نفوذهما فى قرار التدخل الأمريكى فى الفناء الخلفى لها. فمن الجدير بالذكر أن بكين مستاءة من أنشطة الولايات المتحدة فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وذكر دبلوماسى رفض الكشف عن هويته: «أن الوجود الصينى والروسى يسهم فى عدم استقرار منطقة أمريكا الجنوبية وهذا الأمر هو غير مقبول على الإطلاق».
من الجدير بالذكر الإشارة إلى أن الصين استثمرت أكثر من 62 مليار دولار فى فنزويلا، ومعظمها من خلال تقديم القروض، منذ عام 2007. وفى العام الماضى، استوردت 3.6 فى المائة من إمداداتها النفطية من البلاد، بعد أن كانت أقل من 5 فى المائة فى عام 2017. ولقد حذرت وزارة الخارجية مرة أخرى من أى «تهديدات باستخدام القوة أو التدخل فى الشئون الداخلية للبلاد».
وقال شيويه لى ــ مدير برنامج الاستراتيجية الدولية التابعة للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية: «ستعانى فنزويلا من حالة التغير المستمر، وإذا وصل غوايدو إلى السلطة، فإنه سيظل فى حاجة إلى استثمارات صينية، التى لا يمكن الاستغناء عنها». واستطرد: «على المدى الطويل، لن يؤثر الوضع الحالى على مصلحة الصين فى هذا البلد».
أما بالنسبة إلى روسيا، التى تتمتع بموارد أقل بكثير، قد تكون أكثر عرضة للخطر من الصين نتيجة الاضطرابات الحالية. ووفقا لوكالة الأنباء الرسمية TASS، تشارك روسيا فى تطوير حقول النفط التى تمثل أقل من نصف احتياطيات فنزويلا.
تمتلك شركة النفط الحكومية Rosneft PJSC حصصا تصل إلى 40 فى المائة فى خمسة حقول فنزويلية باحتياطيات تقدر بنحو 20.5 مليار طن. كما تدين شركة Rosneft لمدفوعات نفطية بقيمة 3 مليارات دولار. وفى زيارة فى شهر ديسمبر الماضى إلى موسكو، وقع «مادورو» على اتفاقيات للحصول على مزيد من الاستثمارات الروسية بقيمة 5.5 مليار دولار.
وفى هذا الإطار سُئل «ميخائيل ليونتييف» المتحدث باسم Rosneft عن الخسائر المحتملة فى محطة راديو جوفوريت موسكفا، فأنكر وجود خسائر محتملة، وأكد أن كل ما يجرى هناك كان يحدث طوال السنوات الخمس الماضية، كل يوم. هناك فوضى كبيرة فى فنزويلا.
منذ عام 2006، كانت روسيا أيضا أكبر مورد عسكرى لفنزويلا، حيث توفر المروحيات والطائرات المقاتلة وأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات. وفى إشارة إلى استراتيجية موسكو فى المنطقة، قال «يورى بوريسوف» ــ نائب رئيس الوزراء ــ إن روسيا قد تعيد فتح مركز خدمة الطائرات السابق فى كوبا.
وذكر مسئول روسى رفض الكشف عن اسمه أن: «روسيا تعتقد أن مادورو سيكون آمنا مادام يحظى بتأييد الجيش الذى يبدو أنه يتمتع به». واستطرد أن الكثير سيعتمد على مدى استعداد الولايات المتحدة لإزاحة مادورو من السلطة. وأعرب البعض عن قلقهم من أنه فى مثل هذا السيناريو، لن تتمكن روسيا من الاستجابة بفاعلية.
وقال ألكساندر تشيتشن، المتخصص فى شئون أمريكا اللاتينية فى الأكاديمية الرئاسية الروسية للاقتصاد الوطنى والإدارة العامة فى موسكو: «ربما تكون لدى فنزويلا النموذج الأسوأ للاقتصاد الذى يمكن أن تجده». واستطرد: «لن تكون روسيا قادرة على مساعدة مادورو، وإنما يقتصر دورها على مجرد إظهار الدعم المعنوى والدبلوماسى».
***
فى بوست على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» ذهب المشرع الروسى «يفجينى بريماكوف» إلى التأكيد على أن المصالح الروسية ستستمر فى ظل أى تغيير للسلطة. أما بالنسبة لتركيا، فقد بدأ الرئيس رجب طيب أردوغان ببناء العلاقات مع مادورو فى عام 2016، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التى يزعم المسئولون الأتراك بتورط الولايات المتحدة فيها.
فى العام الماضى، بلغت التجارة بين تركيا وفنزويلا 1.1 مليار دولار مقارنة بالسنوات الخمس الماضية والتى كانت تقدر بـ800 مليون دولار، وذلك وفقا لبيانات من المعهد الإحصائى التركى الرسمى. ولقد حذر مادورو الولايات المتحدة من التدخل فى هذه التجارة الثنائية المتنامية.
وقال سيركان بيرام، عضو البرلمان من حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا ورئيس مجموعة الصداقة البرلمانية بين تركيا وفنزويلا: «إن تاريخ فنزويلا يشبه إلى حد بعيد تاريخنا، فهناك العديد من الانقلابات فى هذا البلد أيضا». كما هاجم قرار ترامب فيما يتعلق بالاعتراف بجوايدو.
إعداد: زينب حسنى عزالدين
النص الأصلى: