أرسل لى منذ بضعة أيام صديق فلسطينى عزيز خبرا صحفيا متداولا فى الأوساط الفلسطينية والأوساط الصهيونية عن تجميد لجنة مختصة بفضح ممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين وأراضيهم وحقوقهم لعرضها أمام المجتمع الدولى. وحسب الخبر الذى نشر على صفحة «رأى اليوم»، وكشفته أيضا القناة «12» العبرية، تسببت تلك الخطوة فى انقسامات حادة بين صفوف الفلسطينيين، لما للخطوة من آثار سلبية على محاولة ملاحقة الجرائم الإنسانية ومرتكبيها فى فلسطين المحتلة.
اتصلت بصديقى وقلت له «هون عليك، فبعد بضعة أيام سيجتمع قادة الفصائل والسلطة فى منطقة العلمين المصرية وسيتفقوا على طريقة مشتركة لمواجهة فواجع اتفاقية أوسلو ومضاعفاتها الأحادية الكارثية. وستكون عيون شعب فلسطين المناضل العظيم مراقبة وحاكمة».
اجتمع القوم وألقيت خطابات المجاملات والتمنيات دون ذكر لمقترح محدد واحد. وبعد يومين تبين أن اجتماع الأمل والرجاء سار فى خطى عشرات الاجتماعات السابقة التى حكمتها المماحكات وعيون الخارج الحمراء والمصالح الضيقة المؤقتة والأحلام البريئة، بل وأكثر من ذلك.
حاولت الاتصال بصديقى لأواسيه وأشد عزيمة المستقبل فى روحه النضالية التى أنهكتها السنون والانتكاسات وألاعيب الجهالة. لكن صديقى لم يجب، وعرفت أنه من المؤكد منزوٍ فى غرفة نومه يبكى بيأس المحارب الجريح، وفاضت عينى بدموع ذكريات نضالاتنا المشتركة القديمة، عندما لم يكن فى قلوبنا ونفوسنا إلا الآمال العظام والإرادة الحديدية والثقة فى نبل جماهير أمتنا العربية والتزامها بدحر الهجمة البربرية الصهيونية.
دعنا نكون صادقين مع أنفسنا ومع القوى التى تقود معركة تحرير فلسطين ولنسأل قادة الفصائل سؤالا مباشرا: إذا كان استيلاء الاستعمار الصهيونى على تسعين فى المائة من أرض فلسطين، وإعلان قياداته اليومى بأنهم لن يسمحوا بقيام دولة فلسطينية مستقلة حتى على الجزء الحقير الباقى، وممارسة القتل ونهب الثروة وترويع الأطفال ومحاصرة الملايين واستباحة المسجد الأقصى والرفض التام لرجوع أى من اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وأرض أجدادهم، والتهديد بطرد الفلسطينيين المتواجدين فى الجزء المحتل عام 1948 ليتم تهويد فلسطين برمتها، وإذا كانت قوى الاستعمار الغربى، بقيادة أميركية معلنة ومتصاعدة فى توحشها وهمجيتها، تقف موحدة للسماح بكل ذلك ولا تواجهه إلا بكلمات الأسف المنافق الكاذب المخادع.. إذا كان ذلك المشهد قد أصبح تحديا يوما لا تواجهه إلا عزيمة نفر صغير شجاع مضحى نبيل مقاوم من شباب فلسطين، أليس ذلك بكافٍ أن يتوقف عبث الخلافات المملة فيما بين الفصائل الفلسطينية، والانتقال إلى تكوين قوة نضالية ديموقراطية مشتركة، تمثل شعب فلسطين، وتعلنها حرب تحرير باسمه، وتضع يده فى يد كل المقاومات العربية والإسلامية والمسيحية والمتعاونين من أشراف العالم، عبر الوطن العربى والعالم الإسلامى وكل أرض غير خاضعة للنفوذ الغربى ــ المتصهين الفاقد الضمير؟
ألا يحرك ذلك المشهد الحزين المأساوى ضمائر الجميع من أجل إيقاف دوران تلك الدائرة العبثية بشأن اتفاق الفصائل، والتى تكررت لتصبح لعبة طفولية مملة؟
ألا يدرك قادة الفصائل أن ذلك الدوران التائه فى حلقة إزالة الخلافات وفشله المتكرر هو أحد أسباب موجة التطبيع مع الكيان الصهيونى المتعاظمة، بل أحد أسباب تجرؤ البعض على معاداة شعب فلسطين المغلوب على أمره والمجروح بألف طعنة وطعنة؟
أقولها بصراحة تامة: لن يقبل أحد أى عذر يقدم لاستمرار هذه الخلافات، بل لن يقبلها رب المسجد الأقصى، العادل، الحق، المقسط، الذى أوصى عباده بمحاربة من يعتدون بمثل حربهم. هذا ما يفعله شباب فلسطين المناضل الشجاع المضحى، فلنخجل منهم ومن تضحياتهم.