هل كسبت وزارة الداخلية أم خسرت حينما قررت إحالة أمين الشرطة المتهم بهتك عرض فتاة معاقة ذهنيا إلى النيابة العامة للتحقيق معه، أو التحقيق مع ثلاث أمناء آخرين بتهمة التمثيل بجثة أحد المسجونين؟!.
قلة قليلة -لا تدرك شيئا- تعتقد أن الوزارة خسرت، لكن الحقيقة أنها كسبت مكاسب هائلة بلا حدود.
وجهة النظر القاصرة ترى أن محاكمة أى جندى أو أمين شرطة أو ضابط، صغيرا كان أم كبيرا، ستؤدى إلى الإساءة لوزارة الداخلية. وكأن العاملين فى هذه الوزارة هم مجموعة منتقاة من الملائكة الذين يحلّقون فى السماء لحمايتنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا!.
ببساطة شديدة كل مكان به الجيد والسيئ، الطيب والشرير، المثقف والجاهل، الحكيم والأحمق، الذئب والحمل.. وحتى هذه اللحظة فإن أمين الشرطة صاحب واقعة قسم إمبابة مجرد متهم، وحتى إذا ثبتت إدانته النهائية فلا يجب تعميم سلوكه باعتباره طبيعيا داخل وزارة الداخلية.
الذى يسىء فعلا للشرطة أن «تطرمخ» على مثل هذه الحالات الشاذة، وتتعامل معها بمنطق أن نشرها يسىء إلى صورة الوزارة.
العكس هو الصحيح تماما، وتخيلوا لو أن الوزارة صمتت على هذه الواقعة المشينة أو على غيرها.
الصمت والإخفاء والطرمخة هى التى تعزز من القول الرائج بأن غالبية العاملين فى الشرطة مستبدون ولا تعرف الرحمة طريقها إلى قلوبهم، أما الكشف عن هذه الجرائم فهو أفضل طريق لتنظيف البيت من الداخل أولا بأول، والبرهنة على أن الوزارة لا تتستر على المجرمين والمخالفين داخلها. تخيلوا لو أن الوزارة حاكمت قتلة خالد سعيد فربما ما قامت ثورة يناير.
هل مازلنا نتذكر حادثة قتل الشرطة حوالى 37 متهما بعضهم من الإخوان داخل سيارة ترحيلات كانت متجهة إلى أبوزعبل قبل حوالى عام؟!.
كانت مأساة كاملة، وتصرفت معها الداخلية بكثير من الارتباك والتلفيق حتى إنها فشلت فى حبك رواية كيف بدأت الواقعة. وتسبب تأخيرها فى إحالة الأمر للنيابة إلى إشاعة مناخ يعزز فكرة أنها تحاول أن يفلت المجرمون من العقاب.
طالما أن وزارة الداخلية تقول إنها تعمل فى إطار القانون وأنه لا يوجد كبير داخلها فوق مستوى المساءلة.. فلماذا لا تجعل من التعامل مع أمين شرطة إمبابة المتهم نموذجا داخلها؟.
ما الذى سيضير الداخلية لو أنها حققت فى أى اتهام حتى لو مس كبار قادتها؟. هل الأهم سمعة الوزارة أم سمعة أى شخص مهما كان مركزه؟.
بل إن ذلك إذا حدث سيبرهن عمليا على أنه لا شخص فوق المساءلة.
بطبيعية الحال نحن لسنا فى السويد أو سويسرا، وسيظل المناخ العام وتزايد العنف والإرهاب سيفا مسلطا على رقابنا بما لا يساعد كثيرا على التدقيق فى وقائع كثيرة تخص حقوق الإنسان بالذات داخل السجون. لكن على الأقل علينا ألا نتوقف عن نصح وزارة الداخلية بأن أفضل طريق لكى يساعدها الشعب هو أن يشعر هذا الشعب أن القانون يطبق على الجميع.
وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم حذر يوم الأحد الماضى الشرطة من أى تجاوزات قائلا «إحنا ما صدقنا إن علاقتنا بدأت تتحسن مع الشعب».. كلام الوزير فى المنوفية جيد جدا، لكن يحتاج إلى ترجمة يومية على الأرض.
الصراع الدامى الذى تخوضه الدولة ضد الإرهاب وتدفع الشرطة ثمنه الأكبر ينبغى أن يتعزز بتأييد شعبى كاسح، وهذا التأييد يتطلب من وزارة الداخلية أن تنظف بيتها أولا بأول من الأدران.