الانتخابات موسم لكثير من المهن والحرف وينتظره كثيرون على أحر من الجمر مثل تجار القماش واللافتات والخطاطين وإعلانات الشوارع وأصحاب الفراشات وبعض الغلابة الذين لا يملكون إلا أصواتهم الانتخابية يبيعونها لمن يدفع كيلو سكر وعلبة زيت أو مائة جنيه مشطورة، أو حتى حبة فياجرا.
كل الفئات السابقة تمارس عملا شريفا لكن هناك فئة أخرى تنتظر هذا الموسم على أحر من الجمر مثل الأفاقين والمنافقين والنصابين والمدلسين.
وإذا كانت الفئة الشريفة الأولى تضم بسطاء وغلابة ومساكين وتجار تجزئة، فإن الفئة الثانية تضم بهوات كبارا، معظمهم أغنياء جدا، لا يريدون مالا بل يريدون مناصب ونفوذا.
تاجر القماش أو صاحب الفراشة يأخذ حسابه مقدما، أما أصحاب الفئة الثانية فينتظرون المقابل بعد النتيجة.
فى الانتخابات الماضية كسب أصحاب الفئة الأولى كثيرا لأن المرشحين كانوا كثيرين والنتيجة لم تكن مضمونة لأحد، إضافة إلى كثرة الاستحقاقات الانتخابية.
الآن النتيجة شبه محسومة والمنافسة تقتصر على شخصين لا ثالث لهما، المشير عبدالفتاح السيسى والسيد حمدين صباحى. أصحاب الفئة الثانية انصرفوا تماما عن حمدين لأنه لا يملك ما يقدمه لهم، لأن الرجل يتحدث عن سياسات وأفكار هم بالضرورة ضدها من الألف إلى الياء.
السيسى بالمثل لديه رؤية وخطة وأفكار مماثلة تقريبا لكنه يملك ما يغرى المنافقين بالالتفاف حول معسكره وحملته والتمسح فيه بكل الطرق.
السيسى فى نظر كثيرين هو الأكثر حظا بالفوز وهو رجل كان على رأس أهم مؤسسة فى مصر وهى القوات المسلحة، وغالبية مؤسسات الدولة تؤيده تقريبا، وبالتالى فهو المرشح المثالى كى يتكالب على نيل حظوظ الاقتراب منه كل الساعين إلى ما يتصورون أنه جزء من الكعكة.
بطبيعة الحال لا أتحدث عن المحيطين بالسيسى أو رجال حملته والمشرفين عليها، فمعظمهم لهم جزيل الاحترام وبعضهم أعرفه جيدا. ما أقصده مجموعة المتاجرين بالسيسى والساعين إلى استثمار اسمه بكل الطرق الممكنة وهؤلاء هم أخطر أعداء الرجل على الإطلاق، بل هم أخطر من الإخوان أنفسهم. صدر من الجيش ومن حملة السيسى أكثر من مرة تحذيرات للمواطنين من بعض ممن يتاجرون باسم السيسى ويجمعون تبرعات. لكن ليس هؤلاء هم المقصودين ايضا، أتحدث عن أشخاص معلومين.
أعلم أن السيسى أبدى اشئمزازه من مثل هذه النوعية للمقربين منه، وأعلم أنه يخجل من إصدار بيان يقول فيه إنه يتبرأ من هذا الشخص أو ذاك.
المشكلة الأخطر أن هؤلاء يخصمون من رصيد الرجل، ليس مهما ان يكون الخصم ماديا عبر مجموعة أصوات انتخابية بل أقصد الخصم المعنوى لما بعد الانتخابات.
لا يحتاج السيسى إلى أشخاص يقيمون السرادقات الانتخابية أو يطبعون صوره على تى شيرتات أو يوزعون بوسترات وصور ضخمة أو حتى يصنعون أفلام فيديو وثائقية، والمؤكد أن السيسى لا يحتاج أيضا لمن يقول عنه إنه رجل هذا العصر وكل العصور، أو إنه رجل الأقدار.
مثل هذا الكلام يسىء إليه ولا يسىء لمن يقوله، لأنهم ببساطة تمرغوا فى النفاق وهتفوا لكل الحكام، وبعضهم محكوم عليه بأحكام قضائية تمس شرفه، وينسون أن الناس لم تنس ماضيهم غير المشرف.
أدرك أن السيسى لا يستطيع ــ إنسانيا ــ أن يقول لهؤلاء الأفاقين: «أرجوكم توقفوا عن هذا الغثيان» لكنه من المؤكد يستطيع أن يرسل لهم رسالة محددة تقول: «لقد طفح الكيل منكم».