أسوأ قرار يمكن اتخاذه الآن وسط أجواء الغضب والحزن والإحباط هو أن يتم فرض حالة الطوارئ أو اتخاذ إجراءات وقرارات استثنائية ردا على العملية الإرهابية، والتى أسفرت عن اغتيال المستشار هشام بركات النائب العام صباح يوم الاثنين الماضى.
هناك مشاعر غضب طبيعية، وهناك مواطنون يعبرون عن حزنهم، وآخرون يريدون الانتقام الفورى والراهن، كل ذلك يمكن تفهمه بعد الحادث الإجرامى، لكن الدولة والحكومة وأجهزتها لا ينبغى أن تفكر بمثل هذه الطريقة الجهنمية وإلا وقفنا جميعا فى مصيدة الإرهابيين، والمتطرفين، وانزلقنا إلى اللعب بالطريقة التى يحددونها هم، وليسوا الطريقة الصحية.
أحد مقاصد الإرهابيين، والمتطرفين، هو إجبار أو دفع الحكومة إلى فرض قوانين الطوارئ، والإجراءات الاستثنائية، حتى تبدو مصر عارية ومستبدة أمام العالم.
تخيلوا المجتمع الدولى يتعامل معنا الآن بأقصى درجات التوجس والشك والريبة، من دون فرض حالة الطوارئ، ومنظمات حقوق الإنسان تشن علينا موجات متوالية من الانتقادات، وافتتاحيات الواشنطن بوسطت والنيويورك تايمز لا تتوقف، فماذا سيحدث إذا تم فرض القوانين الاستثنائية؟!
الإرهابيون لا يخفون هدفهم فى إسقاط الدولة بأكملها لأنهم يتعاملون معها باعتبارها كافرة، والإخوان يؤكدون دائما أنهم يهدفون إلى إنهاك الحكومة ودفعها إلى اتخاذ قرارات عشوائية ومتسرعة ومستبدة حتى تتشوه صورتها أكثر فى الخارج.
سيرد البعض، منتقدا أن هؤلاء الإرهابيين لا يؤمنون بالدولة، وأنهم لا يريدون لا حرية ولا ديمقراطية ولا تنمية، والحل الوحيد هو تصفيتهم، وليس تضييع الوقت مع «نحنحة النشطاء وبتوع حقوق الإنسان!».
ما اقترحه بهدوء أن نتذكر ونتعظ من أيام مبارك الذى حكم مصر طوال ثلاثين عاما بالطوارئ، وكان لديه ترسانة عامرة من القوانين الاستثنائية سيئة السمعة، لكن كل ذلك لم يمنع وجود إرهاب متواصل لمدة ثمانى سنوات. وعلينا أن نسأل ماذا لو فرضنا الطوارئ واستمر الإرهاب بعدها؟!
الاقتراح هو أن نحكم العقل ونفرق بين مسارين مهمين، الأول هو ضرورة تشديد القوانين، التى تضمن مواجهة الإرهاب والإرهابيين فى إطار القانون والدستور.
المسار الثانى هو ضرورة الانفتاح أكثر على القوى السياسية المدنية المؤمنة بالقانون والدستور وخريطة الطريق.
لن يعارض أحد وجود حلول حازمة وحاسمة ورادعة ضد الإرهاب والإرهابيين فى إطار القانون، وبالتالى لا يصح أن نستخدم مصطلحات مثل الثأر والتصفية بحق الإرهابيين، المنظمات الإرهابية هى التى تفعل ذلك أم الدول والحكومات فهى تقبض على المتهمين، وتحاكمهم بالقانون وتسجنهم.
من يرفع السلاح يضرب بالسلاح، ومن يستخدم الآر بى جى والعبوات الناسفة يضرب بالأباتشى، لكن من يتم القبض عليه لابد أن نحاكمه بالقانون.
علينا أن نكون رادعين مع الإرهاب، وفى المقابل لابد أن تكون الدولة فى غاية التعاون مع القوى السياسية المدنية، لن تنجح الحكومة وأجهزة الأمن بمفردها فى هزيمة الإرهاب، الذى سيفعل ذلك هو وقوف المجتمع معا. علينا أن نتذكر أن المجتمع المدنى هو الحاضنة الأساسية لقوات الأمن وهى تحارب الإرهاب، من دون ذلك سوف ندخل فى حلقة مفرغة إلى ما لا نهاية، بل سوف يكسب الإرهاب المزيد إلى صفوفه كل يوم، ينبغى أن تكون الحكومة هى علينا ألا ننزلق إلى طريقه.
وقوف الشعب والقوى السياسية المختلفة مع الحكومة، وهى تحارب الإرهاب أفضل مليون مرة من قوانين الطوارئ، لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا وصلت رسالة من الحكومة إلى الأحزاب والنقابات والمجتمع المدنى أنهم جزء حقيقى وفاعل فى المشهد العام.
مرة أخرى جريمة اغتيال هشام بركات ضربة شديدة لصالح الإرهاب فى معركة طويلة وممتدة، لكن المواجهة الصحيحة سوف تهزم هذا الإرهاب فى نهاية المطاف.