حين يقولها جو روجان: ما لم نكن نتوقع سماعه في الإعلام الأميركي عن فلسطين (1 -2) - خالد عزب العرب - بوابة الشروق
الخميس 4 سبتمبر 2025 12:05 ص القاهرة

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

حين يقولها جو روجان: ما لم نكن نتوقع سماعه في الإعلام الأميركي عن فلسطين (1 -2)

نشر فى : الأربعاء 3 سبتمبر 2025 - 5:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 3 سبتمبر 2025 - 5:10 م

 

في إحدى الحلقات مؤخرا من البودكاست الشهير The Joe Rogan Experience يدور الحوار التالي بين جو روجان وضيفه:

روجان: كل هذا الأمر المتعلق بطرد الناس من فلسطين هي قصة لا أحد يريد الحديث عنها اليوم، عندما يتحدث الناس عن إسرائيل وفلسطين والصراع، لا يريدون الحديث عما جرى في 1948.

الضيف: نعم، وأعتقد أنه أمر مهم، أعتقد أننا لو أردنا الوصول إلى صيغة ما من السلام، وهو أمر صعب للغاية عندما ترى ما يحدث في غزة، بما في ذلك ما جرى أمس...

روجان: نعم تقصد أولئك الذين تم قصفهم وهم ينتظرون الحصول على الطعام

الضيف: نعم

روجان: أنه أمر جنوني... ولا أحد يريد الحديث عنه... وإذا تحدثت عنه تتهم بأنك معاد للسامية... أنه أمر غريب للغاية... لا أفهم كيف يصلون إلى هذه النتيجة؟!

 

وفي موضع آخر في الحلقة يقول روجان:

نعم ما حدث في 7 أكتوبر أمر فظيع وهجوم بشع، ولكن كذلك ما فعلوه في غزة هو الجنون بعينه (يستخدم لفظا خارجا دأبت معامل أنيس عبيد على ترجمته إلى "لعين") وإذا كنت غير قادر على رؤية ذلك أو غير قادر على قول ذلك، ورد فعلك فقط هو أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، فما الذي تتحدث عنه؟ تدافع عن نفسها ضد من؟ ضد النساء والأطفال الذين يتم تمزيق أجسادهم؟ أمام العاملين في الإغاثة الذين يتم قتلهم؟ عما تتكلم؟

.....

-          الإسرائيليون يمزقون أجساد النساء والأطفال الجوعى في غزة

-          الأصوات المنتقدة لإسرائيل يتم إخراسها بتهمة معاداة السامية

-          الحكاية لا تبدأ من 7 أكتوبر وإنما أصلها يعود إلى طرد الفلسطينيين من أرضهم عام 1948

هذه حقائق بديهية في عالمنا العربي، لكن أن يتم ترديدها بهذا الوضوح في خطاب إعلامي أميركي... هذا أمر يستحق التأمل.
....

الصورة التالية توضح ترتيب برامج البودكاست العشرة الأكبر يوم كتابة هذه السطور (18 أغسطس 2025) على منصة سبوتيفاي في الولايات المتحدة... ورغم أن هذه القائمة متغيرة، إلا أنها تصلح كمثال للتعرف على برامج البودكاست الأكثر شعبية:

 

 

البرامج التي وضعت حولها دائرة حمراء لم تتطرق للحرب على غزة من قريب أو بعيد، أما بودكاست The Rest is History الذي وضعت حوله دائرة زرقاء فهو برنامج بريطاني معني بالأحداث التاريخية، وقد تطرق للجذور التاريخية للصراع العربي الإسرائيلي متخذا بشكل عام موقفا وسطيا من أطراف الصراع.

تتبقى ثلاثة برامج هي تلك التي وضعت حولها دائرة خضراء. الأكبر بينهم والذي يحتل قمة القائمة باستمرار هو برنامج جو روجان الذي أشرنا له في البداية، وهو ليس برنامجا سياسيا وإنما عبارة عن حوار طويل (قد يمتد ثلاث ساعات في بعض الأحيان) يجريه روجان مع ضيف جديد كل حلقة حول قصة حياة الضيف وأعماله وآرائه، وقد يتشعب الحوار أحيانا ليتطرق إلى موضوعات رياضية أو صحية أو سياسية، وقد استضاف ترامب أثناء حملة الانتخابات الرئاسية العام الماضي وأعلن تأييده له.

أما برنامج المركز الثامن This Past Weekend w/Theo Von فهو برنامج حواري يقدمه الكوميديان ثيو فون، ورغم القالب الساخر للحوار أحيانا فإنه يتطرق أيضا إلى قضايا جادة، وكان هو الآخر من أبرز البودكاسترز الذين استضافوا دونالد ترامب وأيدوه خلال الحملة الانتخابية.

يستخدم ثيو فون في وصف الحرب على غزة كلمة genocide ("إبادة جماعية")، ذلك التعبير الذي لا يستخدمه في المجال العام الأميركي إلا الأشد جرأة في الدفاع عن الفلسطينيين، لما يجره من مخاطر على المستقبل المهني لمستخدمه (سواء كان إعلاميا أو سياسيا أو أكاديميا).

وهو ليس شخصا مسيسا ولا يقدم برنامجا سياسيا، لكنه يقول إنه لا يستطيع أن يبقى صامتا:

"إننا نشاهد أحد أكثر الأمور المثيرة للاشمئزاز التي جرت، وأنا آسف إن لم أكن قد تحدثت عن الأمر بما يكفي من قبل، لكني حاولت الحديث عنه والإلمام به ... لا أدري... أشعر فقط أنني أريد أن أقول شيئا... لا أدري حتى ما الذي ينبغي فعله... الأمر جنوني، وبلدنا متورط فيه وهو متورط فيه منذ وقت طويل، واللافت أنك تكتشف أنه رغم أنك مواطن في هذا البلد لكن ما نريده في بعض الأحيان لا يهم، فحكومتنا تتبنى اختيارات أخرى"

وفي لقاء مؤخرا مع أحد المواقع التي تهتم بأخبار النجوم يسأله المراسل عما هو أول سؤال سيوجهه إلى دونالد ترامب إذا استضافه مرة أخرى في برنامجه... لا يختار ثيو فون أن يسأل الرئيس الأميركي عن أي من القضايا المحلية العديدة التي تشهدها الولايات المتحدة (الهجرة، الوضع الاقتصادي، الجمارك الجديدة... إلخ) وإنما يختار غزة:

"أعتقد أنني سأسأله لماذا نؤيد الإبادة الجماعية في غزة؟ لماذا ندعم ذلك؟ أعتقد أن هذا يثير خوف الكثيرين... إنه يجرح مشاعرنا... لماذا ندعم هذا الأمر؟ ولماذا لا نتدخل لإنقاذ الناس هناك؟"

يبقى البودكاست الذي يحتل المركز التاسع وهو The Tucker Carlson Show ويقدمه المذيع اليميني العتيد تاكر كارلسون. ومن بين كل برامج البودكاست في قائمة العشرة الأوائل، فإن كارلسون هو الوحيد الذي يأتي من خلفية الصحافة السياسية التقليدية، وقد عمل سنوات في شبكة "فوكس نيوز" وكان من أبرز نجوم الشبكة ومن المقربين لترامب.

ولكن في الشهور الأخيرة زادت انتقاداته العلنية لمواقف ترامب من إسرائيل (للمزيد حول ذلك يمكن مراجعة مقال الكاتب محمد المنشاوي الذي نشرته الشروق بتاريخ 24 يوليو 2025 تحت عنوان "كيف أصبح تاكر كارلسون رمزا لمواجهة إسرائيل فى أمريكا؟")، وفي أسبوعين فقط من الشهر الماضي (أغسطس 2025) استضاف كارلسون أستاذ العلاقات الدولية جون ميرشايمر صاحب المواقف اللاذعة في انتقاد الصهيونية، والراهبة الأرثوذكسية أغابيا ستيفانوبولوس المقيمة في فلسطين والناشطة ضد نظام التمييز العنصري الإسرائيلي، واستضاف مرتين الضابط الأميركي السابق توني أجولير (هنا وهنا) الذي استقال من "مؤسسة غزة الإنسانية" فاضحا تورط تلك المنظمة المدعومة أميركيا وإسرائيليا في جرائم الحرب في غزة.

....

نحن إذا أمام ظاهرة لافتة:

خلت قائمة العشرة الكبار في برامج البودكاست في الولايات المتحدة من أي برنامج مؤيد لإسرائيل، بينما تبنت كل البرامج التي تناولت الحرب، باستثناء برنامج The Rest is History، خطابا لاذعا ضد تل أبيب، ليس فقط على مستوى إدانة الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة، وإنما متجاوزة ذلك لاتخاذ مواقف ناقدة لتاريخ الصهيونية وعلاقة الولايات المتحدة بإسرائيل وتكبيل الأصوات الداعمة للفلسطينيين بذريعة معاداة السامية.

فما أهمية ذلك وما دلالته؟ وماذا عن وسائل الإعلام الأكثر تقليدية – تلك الصحف والمواقع وقنوات التليفزيون التابعة للمؤسسات الصحفية الكبرى؟ لماذا يختلف خطابها تجاه الحرب على غزة؟ وما تداعيات هذا الاختلاف؟

نبحث هذه الأسئلة في الحلقة المقبلة.

خالد عزب العرب أستاذ مساعد ممارس بقسم الصحافة والإعلام ومدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات