اقتصاديات الطاقة الحديثة - قضايا اقتصادية - بوابة الشروق
الخميس 4 سبتمبر 2025 12:01 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

اقتصاديات الطاقة الحديثة

نشر فى : الأربعاء 3 سبتمبر 2025 - 8:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 3 سبتمبر 2025 - 8:20 م

نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب العراقى وليد خدورى، يوضح فيه التحوّل التدريجى فى اقتصاد الطاقة العالمى من الاعتماد التقليدى على الفحم والنفط نحو توسع دور الغاز الطبيعى، نتيجة تغيّرات تاريخية فى الأسعار والأسواق والاعتبارات البيئية، مع استمرار الطلب المتزايد على النفط والغاز رغم صعود الطاقات المستدامة.. نعرض من المقال ما يلى: 


تغير اقتصاد الطاقة بعد أقل من قرن من انطلاق الصناعة النفطية، فبدلا من إهمال الشركات اكتشاف بئر غازية خلال النصف الأول من القرن العشرين وحتى أوائل النصف الثانى من القرن، نظرا لعدم وجود سعر مربح للغاز الحر أو الغاز المصاحب عندئذ، لجأت الشركات فى حينه إلى حرق الغاز للتخلص منه، ومن ثم نيران الآبار التى كانت تغطى حقول النفط والدخان المتصاعد منها، ومن ثم الغيوم السوداء الناتجة عنها. والسبب فى عدم حاجة الشركات النفطية للغاز فى حينه، هو عدم وجود سوق عالمية للغاز. وبالفعل، فإن أول شحنة من الغاز المسال عالميا كانت من قبل شركة «سوناطراك» الجزائرية من مصنع «كامل» فى سكيكدا، إلى السوق البريطانية عام 1964.

من نافلة القول إن النفط لم يكن المصدر الأول والوحيد للطاقة فى القرن العشرين، فقد سبقه وشاركه لاحقا الفحم الحجرى. وبالفعل، بدأ دور الفحم فى تزويد الطاقة منذ بداية الثورة الصناعية الأولى فى بريطانيا خلال القرن الثامن عشر (1760)، حيث تم حرق الفحم للحصول على الطاقة فى صناعة المنسوجات والمحركات البخارية وصناعة الحديد والصلب ووسائل النقل (بالذات السكك الحديدية). وتصاعد حرق الفحم إثر نشوب الحرب الأهلية الأمريكية فى منتصف القرن التاسع عشر فى معظم القطاعات الاقتصادية سابقة الذكر، لكن بدأ الفحم يواجه منافسة قوية فى أوائل القرن العشرين مع البدء باستهلاك المنتجات النفطية، فبدأ تقلص الطلب عليه.

إلا أن التحدى الأهم لاستعمال الفحم بدأ مع أوائل القرن الحادى والعشرين الحالى، نظرا للاهتمام العالمى الكبير بالاحتباس الحرارى والتغير المناخى والتلوث البيئى. ورغم توجيه اللوم للوقود الأحفورى عامة لهذه الظواهر، تم توجيه الانتقادات الأكبر إلى الفحم، لكن رغم هذه الانتقادات الحادة، فإنها لم تؤدِّ إلى تقليص الاستهلاك للفحم بسرعة؛ فقد استمر حرق الفحم، حيث بقى يشكل نحو 30 فى المائة من الوقود لتوليد الطاقة الكهربائية الأمريكية حتى أوائل القرن الحادى والعشرين. هذا ناهيك عن استمرار استعماله فى دول منتجة أخرى، كالصين والهند وبولندا.

• • •

السؤال: لماذا التأخر فى إغلاق مناجم الفحم؟ والجواب: اعتماد الكثير من الصناعات المحلية ومحطات الكهرباء فى الدول المذكورة على الفحم المحلى للحصول على الطاقة، نظراً لتوافره محليا وبأسعار تنافسية، كما أن نقابات عمال الفحم لعبت دورا مهما فى استمرارية الصناعة للحفاظ على وظائف عمال المناجم، الذين كثيرا ما شكلت مجموعاتهم قرى بأكملها، مدعومة من قبل السياسيين لهذه المناطق.

تحاول الآن كل من الصين والهند وبولندا وألمانيا إغلاق مناجمها الفحمية، بعد أن أغلقت بريطانيا مناجمها سابقا.

ويتم تقليص حرق الفحم باستبدال الغاز أو الوقود النووى به فى تزويد الطاقة للمحطات الكهربائية، بالإضافة إلى استخدام المنتجات النفطية التى بدأت تدريجيا منذ عقد السبعينات الإحلال محل الفحم فى بعض المحطات الكهربائية.

كذلك، كان سبب تكثيف استهلاك الغاز منذ بداية المرحلة الثانية للصناعة النفطية فى أوائل عقد السبعينيات، نجاح مفاوضات منظمة «أوبك» مع كبرى شركات النفط العالمية فى إنهاء احتكار الشركات للصناعة، وتغيير اتفاقات الامتياز لاكتشاف وإنتاج النفط، والأهم تغيير تسعير النفط. فبدلاً من استمرار ثمن سعر برميل النفط نحو دولار أو دولارين للبرميل، حصلت تعديلات مهمة للأسعار، حيث تحول سعر البرميل إلى 70 - 30 دولاراً للبرميل، وأكثر فى بعض الأحيان، الأمر الذى دفع الشركات الاهتمام بالغاز الذى ارتفع حجم استهلاكه كبديل للنفط والفحم، ومن ثم ارتفع سعره تدريجياً، حتى أصبح تسويقه مربحا للشركات.

• • •

أدى التغيير الضخم فى أسعار النفط الخام إلى الاهتمام بتسويق الغاز فى قطاعات صناعية متعددة بدلاً من النفط الأكثر سعرا. وتوسع دور الغاز تدريجيا فى توفير الطاقة، فى الصناعات البتروكيميائية ومحطات توليد الكهرباء ومحطات تحلية مياه البحر ومراكز المعلومات للذكاء الاصطناعى.

تشير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن استهلاك الغاز سجل رقما قياسيا مقداره 91.4 مليار قدم مكعبة يوميا فى 2025. وقد بدأ الإنتاج الضخم من الغاز الأمريكى مع بداية الإنتاج التجارى للغاز والنفط الصخرى الأمريكى فى عام 2014. وقد بدأت كميات ضخمة من هذا الغاز تصدر إلى الأسواق العالمية، ناهيك عن استعمالها أيضا فى السوق الأميركية الضخمة. وعلى سبيل المثال، تستورد السوق الأوروبية حاليا 61 فى المائة أكثر من الغاز الأمريكى، عما كانت تستورده قبل حرب أوكرانيا، وذلك نظرا لحظرها للغاز الروسى.

اللافت للنظر فى التحول الطاقوى الواسع منذ النصف الثانى للقرن العشرين، وحتى يومنا هذا، هو أنه رغم استبدال وإحلال الغاز محل المنتجات النفطية، أو الفحم، فإن الطلب على النفط فى ازدياد سنوى مستمر، رغم الحملات المعادية له بسبب الاحتباس الحرارى.

تدل المعلومات المنشورة فى كتاب «إحصاءات (أوبك) السنوية لعام 2025» أن الطلب العالمى على النفط ارتفع منذ نهاية «كوفيد - 19» فى عام 2020 من نحو 91.350 مليون برميل يوميا إلى 103.840 مليون برميل يوميا فى عام 2024.

اللافت للنظر فى زيادة الطلب على النفط هذه خلال المدة الأخيرة تعود إلى ارتفاع الطلب المستمر من أقطار «أوبك» نفسها والدول الآسيوية والأفريقية وأمريكا اللاتينية. وهذا لا يدل على ارتفاع عدد السكان فى هذه الدول النامية فقط، بل على ظاهرة أخرى مستمرة ومتزايدة، خصوصا مع النمو الكبير فى قطاع الصادرات الصناعية والخدمات للدول النامية الكبرى، وهى تتمثل فى ارتفاع مستوى المعيشة لفئات واسعة من مجتمعات هذه الدول، كما فى الصين والهند والبرازيل وأقطار الخليج العربى.

• • •

السؤال: هل سيستمر ازدياد استهلاك النفط، كما هو الآن، أم ستنخفض نسبته فى سلة الطاقة المستقبلية؟

الواضح من تجارب السنوات الماضية هو أنه من الصعب جدا الاستغناء عن النفط والغاز بحلول منتصف القرن، خصوصا مع زيادة الطلب المستمرة لهما، فاستبدال الطاقات المستدامة بهما يتطلب استثمارات ضخمة، وتقدما علميا واسعا، ليس أقله توفير الخزانات الضرورية لوقود الطاقات المستدامة.

كما أنه من الواضح أيضا أن التوقعات أعلاه التى تتبناها الدول المصدرة للنفط، مبنية على فرضيات اجتماعية/اقتصادية، مثل الازدياد الكبير فى عدد سكان العالم سنويا، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى المعيشة لدى فئات واسعة فى الدول النامية. كما تتبنى الدول المصدرة فرضيات أخرى، وهى أن العالم اليوم وغدا، وللمرة الأولى، سيعتمد على مجموعة من مصادر وقود الطاقة، الأمر الذى سيتطلب من كل من الوقود المستعملة التنافس السعرى مع الوقود الأخرى. كما أن تعدد أنواع وقود الطاقة من جهة والمطالب الدولية لتقليص الانحباس الحرارى، يدعو إلى التنافس فى تقليص الانبعاثات. هنا ستكمن المنافسة.

 

 

قضايا اقتصادية القضايا الاقتصادية العالمية والدولية والمحلية
التعليقات