لو أن هناك سياسة حقيقية فى مصر، ما كانت هناك مشكلة أو قضية اسمها إسراء الطويل.
هذه الفتاة ليست حالة شخصية، لكنها عنوان عريض على سوء تفكير الحكومة وأجهزتها، وعنوان مهم أيضا على حال الاستقطاب التى تجعل الفتاة ملاكا لدى البعض وشيطانا لدى البعض الآخر، وفى الحالتين الحكم خاطئ.
فى الساعة العاشرة من مساء الإثنين الموافق أول يونيو الماضى كانت إسراء الطويل تسير على كورنيش المعادى بصحبة زميليها صهيب سعد وعمرو محمد، بعد تناولهم العشاء وركوب الخيل، وكانت معها كاميرا يقول المقربون منها إنها لا تفارقها أبدا.
فى هذا المساء اختفت إسراء ولم يعرف أحد عنها شيئا، وتم تصنيف اختفائها باعتباره قسريا حتى ظهرت بعدها بنحو أسبوعين، والإعلان عن أنها مقبوض عليها بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية هى الإخوان، ونشر أخبار كاذبة.
فى ٢٥ يناير ٢٠١٥ كانت إسراء تشارك فى مظاهرة بمناسبة ذكرى الثورة فى ميدان مصطفى محمود بالمهندسين، ويقول البعض إنها كانت تغطى المظاهرات لحساب بعض المواقع الإلكترونية الإخوانية أو غيرها، وفى هذا اليوم أصيبت برصاصة فى ظهرها مما جعلها تعانى فى السير.
قال البعض أيضا إنها شاركت فى تأسيس حركة «نساء ضد الانقلاب»، لكنها نفت ذلك.
ويقول المتابعون لها إن صفحتها على الفيس بوك تضمنت رصدا لعناوين وأسماء ضباط وقضاة، وكيفية ضربهم، ونشرت صورة لنبلة، وعلقت عليها بالقول: «دى اللى هأفقع بيها عين الضابط».
هل إسراء الطويل إخوان أم لا؟!!
لا ينبغى أن نسأل هذا السؤال وهو سؤال غير أخلاقى فى هذه الحالة، إلا لو ثبت يقينا أنها إخوان وترتب على ذلك جرائم محددة، ولا يهمنا أن تكون إخوانية أو سلفية، شيعية أم شيوعية.. المهم هل هى بريئة أم مدانة؟.
إسراء مقبوض عليها منذ نحو ١٥٠ يوما، وفى كل مرة يتم تجديد حبسها، بصورة شبه آلية، وفى المرة الأخيرة يوم الإثنين الماضى، أدمت صورتها وهى تبكى قلوب كثيرين معظمهم ليسوا إخوانا مسلمين، ورفعت نسبة التعاطف معها بصورة غير مسبوقة، والصورة الذهنية التى ترسخت فى أذهان كثيرين هى أن هناك فتاة ضعيفة مصابة لا تقوى على السير فى مواجهة حكومة بكل أجهزتها الأمنية.
أعتقد أن أمام الحكومة والقضاء وكل من يهمه الأمر حلا واحدا، هو حسم موقف إسراء، وتقديم إجابة شافية لحالتها، إما أنها مدانة وإما بريئة، ولو كانت مدانة، فما المانع من الإفراج عنها على ذمة القضية مادامت مصابة؟.
لكن السؤال الأهم: هل المشكلة تنحصر فقط فى إسراء؟
للأسف الإجابة هى لا. هناك حالات كثيرة تشبه حالتها، لكن الفارق أن هناك تسليط أضواء إعلامية على حالتها. والبطل الحقيقى اليوم هو المصور الذى التقط لها مجموعة الصور وهى تبكى يوم تجديد حبسها.
المأساة أن هناك كثيرين يحدث معهم نفس ما يحدث لإسراء، لكن لا توجد كاميرات تصور أحوالهم وتجعلنا نرى دموعهم. من مصلحة الحكومة والرئاسة والقضاء وكل من يهمه أمر هذا البلد، سرعة حسم مثل هذه الحالات التى قد تكون بريئة وأن نتأكد جميعا أنه لا يوجد برىء خلف القضبان لأن دموعه وشكواه لعنة ستطارد الجميع.
رئيس الجمهورية قال أكثر من مرة إن هناك أبرياء خلف القضبان، نحن لا نطالب بالإفراج عن إرهابى أو أى شخص ارتكب عنفا، لكن ما هو المانع من إطلاق سراح ذوى الاتهامات البسيطة، خصوصا إذا كانوا مرضى أو مصابين، ولا يشكلون خطرا على الامن العام؟.
مثل هذا التحرك قد يكون بداية لإصلاح حالة الانسداد السياسى التى نعيشها، ناهيك عن كونه واجبا إنسانيا وأخلاقيا قبل أى شى آخر.