المراهنة على وعى الناس فى مجابهة فيروس كورونا المستجد لا تكفى وحدها، ولذلك كان منطقيا، بل ومطلوبا بقوة، أن تنتفض الأجهزة التنفيذية لتطبيق الغرامات الفورية على عدم ارتداء الكمامة فى المواصلات العامة، وغلق المحال والمراكز التجارية التى لا تلتزم بالتطبيق الصارم للإجراءات الاحترازية التى يمكن أن تسهم فى الحد من انتشار الوباء، وتقليل عدد الإصابات.
الاستهتار أو التقاعس سواء من قبل المواطنين، أو الأجهزة التنفيذية فى التعامل بجدية مع ما نواجهه من وباء، قد يوردنا، لا قدر الله، موارد التهلكة، ودفع فواتير مضاعفة لا نعلم قيمتها، ولعل المشاهد المؤلمة التى طالعتنا فى الأيام الأخيرة بشأن وفاة عدد من المصابين فى أكثر من مستشفى متأثرين بالفيروس، تعطينا مؤشرا على ما يمكن أن يئول إليه الوضع، فى ضوء نقص الإمكانيات التى لا يمكن إنكارها، وحال مستشفياتنا نعلمه جميعا.
وطبقا للأرقام التى نشرتها الزميلة منى زيدان فى الشروق (الأحد 3 يناير الجارى)، استنادا لإحصائيات وزارة الصحة، احتلت مصر المركز 147 من حيث إجمالى الاصابات بفيروس كورونا لكل مليون مواطن (1327/ 1 مليون) بالمقارنة مع كل الدول والمناطق على مستوى العالم، فيما جاءت مصر فى المركز الـ 11 فى نسبة الوفيات من إجمالى عدد المصابين، حيث بلغت 5.5%، بعد سوريا، 6.2%، وبوليفيا 5.7، لكن مصر احتلت المرتبة 128 من حيث نسبة التعافى، التى بلغت 81.2%.
بالطبع الأرقام السابقة تستند إلى الإحصاءات الرسمية لمن يثبت إصابتهم وفق سجلات مراكز التحاليل والمستشفيات الحكومية عقب إجراء تحليل «pcr»، صاحب الكلمة الفصل فى تحديد الإصابة، ولا يدخل ضمن هذه الأعداد من أجروا التحاليل فى المراكز الصحية والمستشفيات غير الحكومية، أو من عزلوا أنفسهم للاشتباه بالإصابة، بعد إجراء أشعة مقطعية أو تحليل للدم.
التقدير الرسمى لعدد الإصابات كان مجالا لجدل وأخذ ورد بين مسئولى الصحة المصرية ومنظمة الصحة العالمية التى تلزم الدولة بإجراء مسحات الـ«pcr» لجميع الحالات المشتبه فى إصابتها والتى تظهر عليها أعراض الفيروس. ووفقا لما نشره الزميل أحمد سعد، فى صحيفة الأخبار (الأحد 3 يناير الجار») انتقد ريشارد بريان، مدير الطوارئ الصحية بالمكتب الإقليمى لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، عدم إجراء مصر مسحات «pcr» لكل المصابين.
بريان قال إن عددا من الدول تستخدم استراتيجيات مختلفة لفحص إصابات كورونا، وعلى سبيل المثال فالحكومة المصرية قررت تركيز اختبارات «pcr» على مجموعة فرعية من المواطنين، خاصة المصابين بأمراض معقدة، وفى حالة حرجة، وبالتالى فمن المرجح أن المصابين بأعراض خفية أو متوسطة لا يجرون اختبارات «pcr»، وهو ما لا يعبر عن العدد الحقيقى للإصابات بالبلاد.
كلام المسئول بمنظمة الصحة العالمية لم يعجب الدكتور محمد حسانى مساعد وزير الصحة وعضو اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا، ورد عليه بالقول إن مصر تجرى اختبارات «pcr» ليس للحالات الشديدة فقط، بل حسب بروتوكول العلاج المصرى الذى يحدد من يجرى الـ «pcr» لهم، وهم الذين تظهر عليهم أعراض مثل ارتفاع درجة الحرارة وضيق التنفس.
آثرت أن أنقل جانبا من هذا الجدل كى نعى خطورة ما يجرى، وأن نكون أشد صرامة، حكومة ومواطنين، فى التعامل مع فيروس لعين فى موجته الثانية، وألا تتكرر مشاهد التجمعات التى تضرب عرض الحائط بالإجراءات الاحترازية، كما رأينا على كوبرى ستانلى بالإسكندرية ليلة رأس السنة، وأن تختفى فى الفترة المقبلة مظاهر الاستخفاف بالموت المتجول فى الطرقات والساحات، حتى نعبر هذه المرحلة الحرجة بأقل خسائر ممكنة إن شاء الله.