لنتبيّن الفرق بين الرذيلة والفضيلة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 6 يونيو 2025 4:59 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

لنتبيّن الفرق بين الرذيلة والفضيلة

نشر فى : الأربعاء 4 يونيو 2025 - 10:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 4 يونيو 2025 - 10:35 م


منذ بضعة أيام وجّه الكيان الصهيونى إهانة جديدة للأمة العربية عندما رفض السماح لأربعة وزراء خارجية عرب زيارة مدينة رام الله للاجتماع برئيس السلطة الفلسطينية. وأضاف إلى الإهانة تأكيدًا صهيونيًا جديدًا بأن الضفّة الغربية أصبحت جزءًا من الكيان الصهيونى وكل قرار بشأنها سيخضع بعد اليوم لموافقة السلطة الصهيونية فى فلسطين المحتلّة.

 


ومن قبل ذلك ببضعة أيام أخر اقتحم أكثر من ألف من عتاة الصهيونية المتطرفة، بقيادة وتشجيع عدد من وزراء الكيان، المسجد الأقصى ورقصوا فى أرجائه ودنّسوه بإقامة شعائرهم التوراتية من قبلهم ومن قبل حيواناتهم.

 


ومن قبل ذلك تجاهلوا باحتقار واستهزاء قرارات قمّتى بغداد والرياض واعتبروها ثرثرة ولغوًا من قبل أناس ضعاف لا يملكون الإرادة ولا العزيمة.

 


ومن قبل كل هذا وذاك، وعبر سنة ونصف، لم يبقوا بشرًا ولا حجرًا فى غزة المحاصرة الجائعة إلا وتعرّض للقتل والإبادة والحرق وانتهاك الشرف وإقامة الرقصات والحفلات احتفالًا بآلام وصرخات ضحاياه من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب. ولم تسلم أية بقعة فى الضفّة الغربية من مثل ذلك المصير وأهواله وتهجيره.

 


كل ذلك حدث أمام العالم المهيمن عليه من قبل أمريكا، إلا من رحم ربى من قلة متناثرة، وأمام حكومات بلاد العرب وأمام كل مؤسسسات المجتمع المدنى العربى دون أن يرفّ جفن الكيان المتغطرس المستهزئى المهدّد المبشر بالمزيد القادم من هيمنة صهيونية وإخضاع لأقطار عربية جديدة أكثر.

 


هذا من جهة العدو، أما من جهة هذه الأمة التى حيّرت العالم كله فى مقدار قبولها بالهوان والهزائم والإذلال وغياب الأخوة والمروءة والنخوة، فيعجز اللسان عن إيجاد كلمات وتعابير كافية للتعبير عن مشاعر الخيبة تجاه ما يجرى وما سيجرى من عار لم يعرفه تاريخ هذه الأمة منذ أن وجدت وإلى يومنا هذا.

 


هل يعقل أن مرضًا نفسيًا وعقليًا وخلقيًا قد حل فجأة بهذه الأمة وأصاب بالشلل كل فضيلة كانت عبر القرون من مفاخرها؟

 


قد يقول لنا المسئولون الرسميون وغير الرسميين العرب بأنهم يمارسون ما يستطيعون من فضائل الأخوة والإنسانية والتعاطف من خلال ما يصدرونه من بيانات ومناشدات ومن رفض للجرائم التى يرتكبها الجيش الصهيونى ومساندوه من المستعمرين والسياسيين المجانين، لكن لنذكرهم بأن بياناتهم ليست أفعالًا فى الواقع، وبالتالى فهى ليست مواقف فاضلة، لأن تعريف الفضيلة فى كل أدبيات الفلسفة والأخلاق وديننا الإسلامى الحنيف هى أنها قوة لها تأثير فى الواقع الإنسانى يغيّره ويحسّنه. بينما أن جميع بياناتهم وتصريحاتهم ليست أكثر من تعابير كلامية لا تمس ولا تواجه الواقع العربى، ولا تغيّره ولا تمنع استباحته من قبل الصهيونية العالمية ومسانديها يوميًا فى فلسطين المحتلة وشيئًا فشيئًا فى الوطن العربى كله.

 


قد يعتقد بعض المسئولين العرب أنهم يمارسون بعض الفضائل باجتماعاتهم واعتراضاتهم على ما يجرى من قبل الأمريكيين والصهاينة، لكنهم يخدعون أنفسهم. فالفضيلة هى فعل محدّد كردّ على رذيلة محدّدة بمشاعر رفض غاضب وبنضال لا يساوم.

 


الذين يمارسون أنبل وأسمى الفضائل هم أمثال بلدان بوليفيا وفنزيلا اللذان قطعا علاقاتهما مع الكيان، وتشيلى التى استدعت سفيرها وسحبت ملحقها العسكرى واتخذت إجراءات دبلوماسية وتجارية ضد دولة التطهير العرقى الصهيونى، وكوبا التى رفضت منذ عام 1973 الاعتراف بهذا الكيان الغاصب.

 


دول تبعد آلاف الكيلو مترات عن بقعة الصراع تمارس فضائل الشرف والأخوة الإنسانية ودول على بعد خطوات تمارس نقائض كل ذلك.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات