رب ضارة نافعة.. فالحوادث والمآسى الكبرى يمكن أن تكون بداية للخروج من نفق أو مستنقع نوشك أن نغرق فيه، لكن هذه الحوادث يمكن أن تكون إشارة أيضا إلى الانحدار السريع إلى هاوية لا قرار لها.
الطريقة التى سنتعامل بها مع الحادث الإرهابى الأخير أمام كنيسة القديسين فى الإسكندرية ستحدد أى سيناريو سوف نسلك.. هل هو الخروج من النفق أم الدخول فيه؟.
الشاهد أن هناك سيناريوهين لا ثالث لهما بصدد الحالة التى نعيشها.
السيناريو الأول معروف وجربناه كثيرا. ويتضمن مجموعة من الخطوات منها قيام شيخ الأزهر والمفتى والقيادات الدينية والشعبية والسياسية بزيارة الكاتدرائية أو موقع الحادث والتقاط الصور التذكارية مع البابا وقادة الكنيسة وهو ما حدث فعلا وإطلاق تصريحات عنترية تندد بالإرهاب الجبان الذى يستهدف «أمنا الحبيبة مصر».. ولا مانع من اتهام أصابع خارجية مثل الموساد والحرس الثورى وربما حزب الله وحماس. و«كل ذلك حدث أيضا».
ويشمل هذا السيناريو أيضا تشديد عصا الأمن حول الكنائس والقبض على عدد كبير من المشتبه بهم، والبطش بكل من يختلف مع أى مسيحى فى المرحلة المقبلة حتى لو كان الخلاف على سبب سوء مستوى الزمالك فى مباراة الأهلى الأخيرة.
كما يشمل أيضا اتخاذ بعض الإجراءات الحكومية لترضية الجانب المسيحى، لكن هذه الإجراءات ستكون عبارة عن مسكنات وفى هذه الحالة قد لا نفاجأ إذا صدر قريبا قانون دور العبادة الموحد الذى يسهل بناء الكنائس. أو أى مطلب فرعى للأقباط.
ولن يسعى مثل هذا السيناريو إلى القيام بمحاولة جادة لمساعدة المسيحيين على الخروج من عزلتهم الاختيارية أو الجبرية والانخراط مع إخوانهم المسلمين فى نضال طويل لتأسيس دولة مدنية لكل مواطنيها.. بل سوف يستفيد من بقائهم منعزلين فى إطار لعبة سياسية لم تتغير تقريبا منذ أوائل السبعينيات.
السيناريو الثانى: أن تدرك الحكومة أن الأمر هذه المرة مختلف كما وكيفا وأن المسكنات لم تعد تفيد، ولذلك يفترض أن تتحرك الحكومة سريعا للاستجابة لكل المطالب المنطقية للأقباط، وتسمح لهم ببناء دور عبادتهم، وتبدأ طريقا طويلا لإنهاء جميع أشكال التمييز ضدهم خصوصا فى المناهج الدراسية وبعض المؤسسات التى تمتع توظيفهم أو ترقيتهم، وأن تعاقب أى وسيلة إعلام لا تلتزم بمعايير المواطنة الكاملة.
ويتضمن هذا السيناريو أيضا تشجيع المواطنين الأقباط للاندماج فى الحياة العامة خصوصا الحياة الحزبية ومساعدتهم على الاندماج مع إخوانهم المسلمين. ولا يستقيم هذا الخيار إلا بالمساواة التامة للمسيحيين مع المسلمين فى كل شىء لكنه يشترط ايضا توقف بعض المتطرفين الأقباط عن الاستقواء بالخارج خصوصا الغرب.
والسؤال الآن: أى الطريقين سوف تسلك الحكومة؟
بالطبع نتمنى أن تختار الحكومة السيناريو الثانى.. لكن مشكلته أنه يحتاج تضحيات كثيرة من الحكومة، لأنه يتطلب حكومة تؤمن بالتعددية والديمقراطية والإصلاح والدولة المدنية.وإذا آمنت حكومتنا بهذه «الوصفة الغريبة» فسوف تسقط بعد 24 ساعة فقط.
لذلك ولسوء الحظ فإن تفكير وتركيب وبنية الحكومة الفكرية والاقتصادية يجعلها تختار السيناريو الأول من دون حتى ان تفكر.
الحكومة تعتقد أن هذا السيناريو سيطيل من عمرها لكنها لا تزال لا تدرك أنه لن يوقف التفجيرات، ولا الفتنة.
هو سيناريو سيطيل من عمر الحكومة لكنه يقصر من عمر الوطن.