مصر ليست دولة فقيرة - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 2:29 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر ليست دولة فقيرة

نشر فى : الأحد 5 فبراير 2017 - 9:15 م | آخر تحديث : الأحد 5 فبراير 2017 - 9:15 م
قد يتصور القراء أن الدافع لاختيار هذا العنوان هو الشعور بالمهانة أن توصف مصر بأنها دولة فقيرة، ولكن أبادر وأؤكد لهن ولهم جميعا أن هذا العنوان يعكس الحقائق العلمية المؤكدة عن مصر. ومع الاعتراف بأن أعدادا كبيرة من المصريين تعانى فقر الدخل، إلا أن ذلك لا يحول مصر بالضرورة إلى دولة فقيرة، كما أن مرور مصر بضائقة اقتصادية دفعت حكومتها لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولى ليس حجة للقول بأنها دولة فقيرة.

مرت كل من المكسيك والبرازيل بأزمات مشابهة، وكذلك معظم دول جنوب شرق آسيا، ومع ذلك لم توصف هذه الدول بأنها دول فقيرة. وسأعرض فى هذا المقال أولا لحجج من يقولون إن مصر دولة فقيرة، وأستعرض بعد ذلك ما تقوله بيانات المؤسسات المالية الدولية عن الفقر وأنواعه، ومدى انطباق تعريفات هذه المنظمات على مصر ثم أشرح أسباب قصور السياسات المتبعة حاليا فى مصر عن تخفيف حدة الفقر.

الذين يقولون إن مصر دولة فقيرة وفى مقدمتهم الرئيس عبدالفتاح السيسى يستندون ربما إلى أن هناك نسبة كبيرة من المصريين تعيش تحت خط الفقر، وقد قدرتها مسوح ميزانية الأسرة التى يجريها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بأكثر من ربع السكان أو تحديدا بـ26% منهم، وهو ما يعنى أن قرابة 24.5 مليون مصرى لا يحصلون على دخل يمكنهم من إشباع حاجاتهم الضرورية من مأكل وملبس ورعاية صحية وتعليم. لاحظوا أيضا أن هذه البيانات جرى جمعها وتحليلها قبل اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولى، وهو ما استلزم مسبقا تعويم الجنيه وانخفاض قيمته فى مواجهة الدولار بمقدار الثلثين تقريبا، أدى بالفعل إلى سقوط ملايين أخرى من المصريين إلى ما دون خط الفقر. وربما يضيف من يقولون إن مصر دولة فقيرة إنكماش نصيب الفرد من الأرض الزراعية، فمع زيادة السكان إلى 94 مليون بحسب تقديرات الأمم المتحدة بالمقارنة بـ23 مليون فى سنة 1955 ــ أى زادوا أربعة أمثال ــ لم تزد المساحة المزروعة إلا قليلا من خمسة ملايين فدان إلى نحو سبعة ملايين فدان، أو بنسبة 40%، كما أن قاعدة الموارد الأخرى من مياه أو نفط أو معادن هى محدودة، وبالتالى تناقص نصيب الفرد من المياه إلى ما يدخل مصر فى فئة شح المياه، كذلك من كل الموارد الأخرى، مما وضع مصر فى مصاف الدول التى تحتاج استيراد النفط والمعادن لتلبية إحتياجات صناعاتها واستهلاك مواطنيها.

هل هذه الحجج صحيحة؟ لا يمكن لأحد أن ينكر إنتشار فقر الدخل بين عشرات الملايين من المصريين، ولكن ليس هذا هو التعريف الوحيد للفقر، هناك فقر القدرات من تعليم وصحة وأصول مادية، وهناك بالفعل من يعانى منه، ومستويات التعليم والصحة متدنية، ومع عجز مساحة الأراضى الزراعية عن الزيادة على نحو يتناسب مع زيادة السكان فلا شك أن ملكية الأراضى كأحد الأصول فى تراجع، ومع عدم وجود إحصائيات دقيقة لتوزيع ملكية الأصول الأخرى من مساكن وأصول نقدية ومالية، إلا أن الانطباع العام هو بتركزها فى أيد قليلة، وهو مما يضاعف من أثر انتشار فقر القدرات.

حجج ليست صحيحة:

العجيب أن هذه الأقوال بأن مصر دولة فقيرة تتناقض مع رؤية العالم لنا. البنك الدولى لا يصنف مصر ضمن الدول ذات الدخل المنخفض والتى تشمل إحدى وثلاثين دولة منها مثلا دولة جنوب السودان، وهى الدول التى يقل نصيب الفرد فيها من الناتج المحلى الإجمالى عن 1000 دولار، أما مصر فتندرج مع عديد من الدول الأخرى ضمن فئة الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض، والتى يتجاوز معدل نصيب الفرد منها من الناتج الإجمالى 2000 دولار، ويبلغ هذا المتوسط فى حالة مصر وفقا لتقديرات البنك 2700 دولار، وهو ما يضع مصر مع الجزائر ودول أخرى ضمن هذه الفئة. والحقيقة أن الحكومة المصرية قد بذلت قصارى جهدها فى سنوات سابقة حتى يظل تصنيفها ضمن الدول منخفضة الدخل، لأن ذلك يتيح لها الحصول على قروض ميسرة من جانب البنك، ولكن هذه الجهود لم تنجح.

المسألة الثانية هى أن مصر كدولة ليست فقيرة من حيث مواردها الطبيعية. وحتى بدون تكثيف استخدام ما نملكه من موارد، مصر تحظى بالفعل بموارد سخية، حتى ودون أن نستكمل استكشاف ما تخبئه تربة بلادنا تحت سطحها، بل وأحيانا فوق سطحها، دون أن ننتبه له مثل الرمال السوداء فى محافظة كفر الشيخ والتى بدأنا أخيرا فى السعى لاستثمارها بتواضع أو حتى الذهب فى جنوب الوادى. ولكن ماذا عن موقعنا الجغرافى وسط ثلاث قارات فى العالم القديم، وهو مهم ليس فقط فى الاتصالات البرية، ولكن كذلك فى الاتصالات الجوية والبحرية، وماذا عن سواحلنا الطويلة الممتدة على بحرين، وماذا عن مناخنا المشرق معظم شهور العام، وماذا عن آثارنا التى لا نجيد الحفاظ عليها، بل وماذا عن قوة العمل الهائلة التى نملكها والسوق الضخم الذى يمكن أن يستوعب إنتاج أضعاف ما يخرج من صناعاتنا وزراعتنا. هل يمكن القول أنه بمثل هذه القاعدة المتنوعة من الموارد الطبيعية والبشرية يمكن أن توصف مصر بحق أنها دولة فقيرة؟.

***

ولذلك فالسؤال الجدير بالإجابة هو: لماذا مع هذه الموارد المتنوعة يصفنا الرئيس السيسى بأننا دولة فقيرة؟ هناك ثلاث إجابات ممكنة عن هذا السؤال. أولا أننا لا نجيد استخدام ما يتوافر لدينا من موارد. فلنقارن ما تحصل عليه إسرائيل من مساحة مزروعة وكمية مياه أقل بكثير مما تملكه مصر. ولا داعى للمقارنة بإسرائيل لأن بعض القراء لا يحبون مثل هذه المقارنة، ولكن يكفى أن نعرف أننا نستخدم عشرة أمثال ما تستخدمه هولندا وأربعة أمثال ما تستخدمه فرنسا، ومع ذلك فالدخل الزراعى لكل من هاتين الدولتين يفوق أضعاف ما نحصل نحن عليه من زراعتنا. وبعبارة أخرى إن تركيبا محصوليا مختلفا واستخداما أكثر رشادة لمياهنا ولأرضنا المزروعة والقابلة للزراعة يمكن أن يعودان علينا بأضعاف دخلنا الزراعى الحالى. الفلاح المصرى بشهادة كل الخبراء لا يعارض استخدام تقنيات جديدة لو ثبت أنها فى مصلحته، ثم هناك الأراضى الجديدة التى تملكها شركات وأفراد أرفع تعليما من فلاحينا الطيبين والذين عاش هذا الوطن من عرقهم ونتاج عملهم قرونا طويلة. فلماذا لا نشرع فى تحقيق الثورة الزراعية فى هذه المساحات التى تتوافر فيها المياه والأراضى المزروعة بالفعل؟

والأمر نفسه ينطبق على كل ما نملكه من موارد أخرى. الأمر واضح بالنسبة لإمكانياتنا السياحية، والتى لم ننجح حتى فى أفضل مواسمنا السياحية أن نصل إلى عدد السياح الذين كانت تستقبلهم تركيا، ولن أضيف الكثير عن موقعنا الجغرافى والذى يمكن أن نستفيد منه باجتذاب شركات الطيران لاستخدام مطاراتنا وأجوائنا فى طريق رحلاتها إلى عواصم ومدن العالم القديم، ولكنى أشدد على أننا لا نستفيد من ثروتنا الأساسية من البشر، والذين هم حتى بمستوى التعليم المنخفض قادرون على العمل، والعمل الشاق إذا ما توافرت ظروف العمل المناسبة. ولذلك أزعم أن فقر القدرات فى مصر، إذا ما أدخلنا فيه القدرة على العمل هو أقل انتشارا بكثير من فقر الدخل. ولكن تصوروا ماذا يكون حالنا لو أصبحنا أكثر اهتماما بهذه الثروة البشرية بتزويدها بالتعليم والتدريب المناسبين؟

***

الإجابة الثانية هى أن الفقر منتشر فى بلادنا بسبب سوء توزيع الثروة فيها. طبعا البيانات المتوافرة من مسوح ميزانية الأسرة لا تكشف عن فداحة الخلل فى توزيع الدخول والثروات، ولا أحسد الأثرياء فى مجتمعنا، ولكن مظاهر سوء توزيع الدخل صارخة. ما بين سكان القبور وسكان المنتجعات، وما بين من يدعون أصدقاءهم ومعارفهم للانتقال بالطائرات الخاصة للمشاركة فى حفل زواج أبنائهم وبناتهم فى عواصم أوروبية، ومن يضطرون للانتظار سنوات وسنوات حتى يجدوا المسكن الملائم لزواجهم ثم يضطرون لإنهاء الرابطة الزوجية بالطلاق لأن ظروف دخلهم لا تمكنهم من المعيشة الكريمة. معدلات الضريبة على الدخول العالية فى مصر هى من أقل المعدلات فى العالم، وحكومتنا تتردد فى فرض ضرائب تصاعدية، أو ضريبة على أرباح رأس المال فى البورصة، رغم أن تلك، وياللعجب، هى أحد مطالب صندوق النقد الدولى منها.

وأخيرا، فإن سلم الأولويات فى إنفاقنا للمال العام لا يشير إلى أن الارتفاع بمستوى قوى العمل لدينا من خلال التعليم والتدريب هو واحد من أولوياتنا. حصلنا على حاملتين للطائرات لا تملكهما دولة أخرى فى شرق المتوسط، ونحاول إقامة عاصمة جديدة، ولكن لا يوجد مشروع قومى واحد للتعليم، وأعترف الرئيس السيسى بأن رفع مستوى التعليم تحدى هائل لا نقدر على مواجهته حتى الآن، ولكن الجهود المبذولة أو التى تجرى الدعوة لها مثل المدارس الدولية للغات التى يقيمها القطاع الخاص أو القوات المسلحة. لا توفر التعليم الجيد لملايين الشباب الفقراء الذين خرج من بينهم سابقا طه حسين ومحمود عباس العقاد.

تعلموا من الصين والهند

لا أعترض إطلاقا على أن نستفيد من التجربة اليابانية فى رفع مستوى التعليم فى مصر، ولكن أدعو كل من هو صاحب قرار فى هذا البلد أن يتعلم من دول العالم التى كانت فقيرة، وهى الآن قوى صاعدة فى النظام الدولى.

هل عرفت مصر فى تاريخها الحديث مستويات الفقر التى عانى منها الصينيون أو الهنود أو مواطنو كوريا الجنوبية. درست فى المدرسة الثانوية الحكومية رواية بيرل بك الأمريكية التى أفاضت فى شرح معيشة الفقراء فى الصين فى النصف الأول من القرن العشرين، والعالم يعرف كم كانت فداحة الفقر فى الهند وكوريا الجنوبية فى خمسينيات القرن الفائت، وكوريا الجنوبية هى أيضا دولة تفتقر للموارد الطبيعية، وقد شهدت مظاهر للفقر فى الهند والمكسيك تفوق كل ما نعرفه فى مصر، ومع ذلك كل هذه الدول قهرت الفقر إلى حد كبير، وهى كلها قوى صاعدة فى النظام العالمى متعدد الأقطاب. فلماذا نصر على ألا نتعلم؟ ولماذا نصر على ألا نعرف عالمنا المعاصر؟
مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات