كما كان متوقعا وافقت القمة العربية الطارئة التى انعقدت فى العاصمة الإدارية بالقاهرة أمس الأول الثلاثاء على الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة الذى دمرته إسرائيل خلال عدوانها الذى بدأ فى 7 أكتوبر 2023 واستمر حتى 19 يناير الماضى.
الهدف الجوهرى للخطة المصرية التى صارت معتمدة الآن عربيا هو إعادة إعمار غزة من دون تهجير سكانها ردا على مقترح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى 29 يناير الماضى.
كل كلمات الملوك والرؤساء العرب خلال القمة رفضت التهجير وأيدت الخطة المصرية، وكذلك كلمات ممثلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والاتحاد الإفريقى والمؤتمر الإسلامى، وبالتالى يحق لنا أن نطلق على هذه الخطة أنها صارت تحظى بتأييد إقليمى ودولى.
وكما كان متوقعا أيضا، فإن من يعارض هذه الخطة فقط هى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ومجموعة من غلاة الصهاينة المحيطين بالرئيس الأمريكى.
الخطة تتكلف 53 مليار دولار على مدار خمس سنوات، وتنقسم إلى ثلاث مراحل الأولى مدتها ستة شهور وتكلفتها ثلاثة مليارات دولار بإنشاء وحدات سكنية مؤقتة موزعة على 7 مواقع تستوعب 1٫5 مليون شخص وإزالة الركام والأنقاض وتوفير 200 ألف وحدة سكنية مؤقتة تستوعب 1٫2 مليون شخص وترميم 60 ألف وحدة سكنية متضررة جزئيا تستوعب 360 ألف شخص.
هذه المرحلة تسمى التعافى المبكر. وبعدها تبدأ عملية إعادة الإعمار على مرحلتين مدتها 4 سنوات ونصف، الأولى لمدة عامين وتتكلف 20 مليار دولار لبناء 200 ألف وحدة واستصلاح 20 ألف فدان من الأراضى الزراعية وإنشاء البنية التحتية، والمرحلة الأخرى مدتها عامان ونصف العام بتكلفة 30 مليار دولار لاستكمال مشاريع البنية التحتية وبناء 200 ألف وحدة سكنية أخرى ليصل إجمالى الوحدات السكنية إلى 460 ألف وحدة تستوعب 3 ملايين شخص وتشمل إنشاء منطقة صناعية على مساحة ٢٠ فدانا وميناء للصيادين وميناء تجارى ومطار غزة وتطوير طريق الكورنيش.
وبالطبع فإن هذه الخطة التى اعتمدت على تقديرات ودراسات مصرية وعربية وأممية لا يمكن تنفيذها إلا فى إطار تصور وأفق لحل سياسى لأصل المشكلة وهو الاحتلال الإسرائيلى. إسرائيل سارعت إلى رفض الخطة كما كان متوقعا، وهى تتمنى أن يتم تنفيذ مقترح ترامب العجيب بتهجير سكان غزة للأبد ومن دون عودة، وإدارة ترامب، وبعد أن تحدثت عن تحويل القطاع إلى «ريفيرا الشرق الأوسط»، تراجعت تكتيكيا وقالت إنها كانت مجرد توصية، لكن الناطق باسم البيت الأبيض بريان هيوز قال صباح أمس إن الخطة العربية لا تتعامل مع الواقع المتمثل فى أن قطاع غزة لا يصلح للحياة، وأن ترامب متمسك برؤيته لإعادة بناء غزة. لكن الجزء المهم فى كلام المتحدث هو أن الولايات المتحدة تتطلع إلى مزيد من المحادثات حول هذه القضية».
أتصور أن الخطة المصرية العربية لا تتحدث فقط عن بناء وحدات سكنية وبنية تحتية، بل هى أيضا تدرك أهمية وجود رؤية عربية لكيفية إدارة قطاع غزة فى اليوم التالى، وهناك توافق عربى كامل تقريبا على ضرورة عدم وجود حركة حماس فى صدارة المشهد السياسى، وهو الأمر الذى تقبله الحركة، لكن إسرائيل وأمريكا تصران على ضرورة تجريد الحركة وسائر حركات المقاومة من السلاح وهو الأمر المرفوض من غالبية الدول العربية إلا فى إطار موافقة إسرائيل على إقامة الدولة الفلسطينية.
الخطة العربية تتضمن أيضا إصلاحات مهمة فى السلطة الفلسطينية، وتحدثت عن وجود هيئة لحكم وإدارة قطاع غزة لفترة مؤقتة حتى يتم التوصل لاتفاق سياسى.
إذن جوهر الأمر الآن يتمثل فى ضرورة إقناع الدول العربية للولايات المتحدة بالخطة المعتمدة رسميا، حتى تقوم إدارة ترامب باقناع أو إجبار إسرائيل بها.