بدأ الهجوم على وزير التعليم أسرع مما توقعت، كنت على وشك أن أحذر من قذائف لوبى الفساد فى الوزارة ضد تحركات الوزير الأخيرة، لكن صيحات صحافة الغضب كانت أسبق، فباغتتنا بعناوين صارخة عن عنجهية الوزير و«الشو» الإعلامى الذى أراد أن يحصده من زيارته المفاجئة إلى مدرسة الخلفاء الراشدين فى حلوان، ومخالفته للقيم التربوية والتقاليد المهنية بنقله ناظر المدرسة وعددا من المدرسين والإداريين إلى أطفيح، ودعمت ذلك بتصريحات لمسئولين فى منظمات حقوق الإنسان، وصورة لأحد المدرسين المعاقبين وقد جلس فى حالة من الضعف والاستكانة تصعب على الكافر، وأخرى للناظرالمنقول وسط تلاميذه يرفع سبابته شاكيا إلى الله، وتلاميذه يرفضون التغيير ويطالبون بناظرهم «لأن واحد غيره ماينفعناش»، وفوق البيعة، يعلن الناظر تحديه للوزير وعدم تنفيذه لقرار النقل.
عدة رسائل ينطوى عليها هذا الهجوم المضاد: الوزير لا يعمل بجد لكنه يتمنظر، الوزير متغطرس ويخالف القانون، بإمكان تلاميذ المدرسة أن يفرضوا إرادتهم على الحكومة ويتظاهروا لتبقى الأمور على ما هى عليه، بوسع الناظر أن يواصل عمله رغم أنف الوزير.
وبرأيى فإن هذا النمط من المعالجات الإعلامية لا يسهم فحسب فى تكريس الفساد والإهمال والتواطؤ، لكنه يحفز على إشاعة الفوضى واتساع رقعة الدولة البديلة، متسربلا بمسوح المعارضة، ومغازلا مشاعر الغضب الجامح التى تجتاح الناس لأسباب مفهومة، طمعا فى بيع عدة مئات من النسخ الإضافية.
حالة التعليم فى مصر لا تسر عدوا ولا حبيبا، وقد كتبت وكثيرون غيرى نطالب بإصلاحه، وتمنيت أن يكون هو مشروعنا القومى للسنوات الخمس المقبلة، وكان رأيى وما زال، أن إصلاح التعليم هو البداية لإصلاح أحوالنا جميعها، فما الذى فعله الوزير واستوجب كل هذا الغضب؟
غادر الوزير مكتبه ونزل إلى الميدان، فاكتشف كم القذارة واللامبالاة التى عليها مدارسنا، فهذه المدرسة ليست سوى نموذج لما يجرى فى مدارس المحروسة، وأتصور أن اصطحابه لمراسلى الصحف والفضائيات لم يكن هدفه المنظرة، وإنما تحقيق الردع المطلوب للبقية، إذ لن يكون بمقدور الرجل أن يجوب قرى ونجوع مصر جميعها ليتفقد مدارسها، لكننا بدلا من أن نؤازره ونطلب من مديرى الإدارات والمفتشين أن يفعلوا مثله، يتهمه بعضنا بالمنظرة والادعاء.
أما الرسالة الأخطر فهى عملية التهييج التى جرت، والتى هلل لها البعض باعتبارها تعبيرا عن وعى الرأى العام بحقوقه ورفضه للظلم، وهو استنتاج خاطئ ومغرض، يحيل الجناة إلى ضحايا، ويضع المتصدى للفساد والإهمال فى قفص الاتهام، وهى ألاعيب تمارسها بعض الصحف بوعى كامل، وينزلق إليها بعض آخر استجداء لرضا العامة وطمعا فى زيادة التوزيع.
بعضنا يتحدث عن التغيير لكنه لا يريده، بعضنا يشكو من الفساد ويرعاه، بعضنا يتصور أن الفوضى هى بديل الجمود، بعضنا يخلط بين معارضة الحكومة ودق الأسافين فى بنيان الدولة.
مرة أخرى: الحكومة فى خدمتنا، ونحن وهى فى خدمة الدولة.
وستبقى الدولة لو ذهبت مائة حكومة.