حقيقة الإعلان عن إفلاس لبنان - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:31 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حقيقة الإعلان عن إفلاس لبنان

نشر فى : الثلاثاء 5 أبريل 2022 - 7:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 5 أبريل 2022 - 7:10 م
مساء الأحد الماضى تحدث سعادة الشامى نائب رئيس الوزراء اللبنانى إلى قناة الجديد وقال كلاما خطيرا جدا خلاصته أن الدولة والحكومة اللبنانية ومصرفها المركزى يعيشون حالة إفلاس.
تفاصيل هذا الإعلان القنبلة على لسان الشامى أنه سيتم توزيع الخسائر على الدولة وعلى مصرف لبنان المركزى وعلى المودعين ولا توجد نسبة محددة. ورأيه أن الدولة مفلسة وكذلك المصرف وإمكانياتهما محدودة جدا، ولذلك نريد أن نصل لنتيجة تعوض المودعين قدر الإمكان بدلا من الاستمرار فى حالة الإنكار.
فى نفس الحوار قال الشامى: «لا يمكن أن نفتح السحوبات المصرفية لكل الناس، وهناك شركة تقوم بتدقيق مصرف لبنان المركزى، وجرد الذهب الموجود فيه، علما بأن ٣٠٪ من هذا الذهب موجود فى نيويورك».
الشامى أطلق قنبلته، وكان المنطقى أن يخرج تصريح رسمى فورى من الحكومة اللبنانية، يوضح حقيقة الكلام الخطير. وبعد نحو عشرين ساعة تكلم رئيس الحكومة نجيب ميقاتى عقب لقائه مع رئيس الحزب التقدمى الاشتراكى وليد جنبلاط، وقال: «إن تصريح الشامى نشر على نحو مجتزأ، وأنه كان يقصد وجود إفلاس فيما يتعلق بالسيولة وليس الملاءة».
وبعد ذلك خرج رياض سلامة محافظ مصرف لبنان المركزى قائلا: «ما يتم تداوله عن إفلاس المصرف غير صحيح، وأنه رغم الخسائر التى أصابت القطاع المالى والتى هى قيد المعالجة فى خطة التعافى التى يتم إعدادها الآن مع صندوق النقد الدولى، فإن المصرف ما يزال يمارس دوره الموكل إليه بموجب المادة ٧٠ من قانون النقد والتسليف، وسوف يستمر فى ذلك»!
السؤال: ما الذى نفهمه من وراء كل ما سبق ولماذا شعر العديد من اللبنانين بالخوف والذعر والغضب من حكاية الإفلاس؟
قبل الإجابة نذكر بأن لبنان يعيش أوضاعا اقتصادية مأسوية منذ سنوات، تفاقمت أكثر منذ ثلاث سنوات وانهارت قيمة الليرة أمام الدولار بأكثر من 15 ضعفا تقريبا، وقبل تفشى كورونا نظم اللبنانيون احتجاجات متواصلة للمطالبة بالإصلاح الاقتصادى ومحاسبة الطبقة السياسية والاقتصادية الفاسدة المسئول عن هذا التردى، لكن فيروس كورونا الذى أصاب العالم أجمع، جعل هذه الاحتجاجات تخفت لكن الأزمة ظلت مستمرة، ولم يعد كثير من اللبنانيين قادرين حتى على سحب مدخراتهم وودائعهم بالعملات الأجنبية.
ولكى يخرج لبنان من هذا المأزق الذى تقول الهيئات الدولية أنه يعيش أسوأ أزمة اقتصادية فى العالم منذ قرون، فكان لابد من إصلاح جذرى يكلف الكثير خصوصا فى ظل العلاقات المتوترة مع السعودية وبعض دول الخليج بسبب هيمنة حزب الله المدعوم من إيران على القرار السياسى فى البلد، الأمر الذى يرى المعارضون أنه تسبب فى حالة شلل للبلد بأكمله خصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت فى أغسطس ٢٠٢٠.
من أجل كل ذلك بدأت الحكومة اللبنانية فى مطلع أكتوبر الماضى المفاوضات مع صندوق النقد الدولى الذى طلب من الحكومة والرئاسة الشروع فى خطة إصلاح شاملة وفورية، خصوصا تعديل قانون السرية المصرفية وإقرار قانون «الكابيتال كنترول» وإعادة هيكلة القطاع المالى والمصرفى ومعالجة التضخم وإصلاح المصرف المركزى ليتواءم مع معايير الحوكمة، وتوحيد سعر الصرف وإصلاح القطاع العام.
أحد التفسيرات المنطقية لكلام الشامى الذى يقود المفاوضات مع صندوق النقد أنه يمهد الطريق نفسيا أمام اللبنانيين لكى يقبلوا بالثمن الصعب جدا الذى ينبغى أن يدفعوه، وهو قال إننا أحرزنا تقدما كبيرا فى المفاوضات الجارية الآن مع صندوق النقد ونأمل أن نصل لاتفاق فى هذه الجولة أو الجولة المقبلة.
مصدر حكومى لبنانى قال لقناة «سى إن إن» إن كلام الشامى ليس رسميا لأن الإعلان عن الإفلاس لابد أن يعرض أولا على مجلس الوزراء ويعلنه رئيس الحكومة الذى يمثل الحكومة وينطق باسمها، وبالتالى فإن تصريحات الشامى لا تحمل صفة رسمية ولا تعبر عن رأى الحكومة.
أظن أن هذا كلام غير دقيق فالهدف الأساسى من وراء كلام الشامى، كان لتهيئة اللبنانيين لتقبل الثمن الفادح الذى يفترض أن يدفعوه فى الفترة المقبلة، فى حين أنهم يعتقدون أنهم دفعوا أثمانا كثيرة فى الماضى وما يزالون يدفعون.
أخيرا نسأل: ماذا يعنى هذا التصريح على أرض الواقع ومن الذى سوف يتحمل الثمن الأكبر لهذه الخطوة غير المسبوقة عربيا؟
عماد الدين حسين  كاتب صحفي