اتسمت السينما المصرية فى النصف الأول من الخمسينيات أن مخرجيها قد تنافسوا على تقديم الأفلام الاجتماعية التى تدور أحداثها فى محيط الأسرة، وفى أغلب هذه الأفلام فإن هناك والدين تتعرض حياتهما لبعض المتاعب، فيفترق أفراد الأسرة، وتبقى الأم وهى تحرص على تربية أولادها مهما كانت الظروف، وقد اعتمدت هذه الأفلام على نجوم السينما الذين تقدموا قليلا فى العمر ليقوموا بأدوار الآباء، وعلى رأسهم زكى رستم، وحسين رياض، وأمينة رزق، وفردوس محمد، وقد رجع كُتاب هذه الأفلام إلى الروايات الشعبية الأوروبية التى كانت متشابهة فى موضوعاتها، وأخرج هذه الأفلام كل من حسن إمام وهنرى بركات، وقد قام هذا الأخير بالاستعانة بالممثل زكى رستم ليعمل معه فى أفلام مهمة كان فيها الأب الحريص على سعادة أسرته، ومنها «هذا جناه أبى» و«معلهش يا ظهر» و«قلبى على ولدى»، كما أن زكى رستم نفسه قام بأدوار الأب نفسه فى أدوار مثل «ولدى» و«أعز الحبايب» و«أولادى».
هذه الأفلام جميعها تبدو متشابهة إلى حد التطابق ويتكرر فيها ظهور نفس الأبطال ومنهم أمينة رزق فى دور الأم، وشكرى سرحان وكمال الشناوى وشادية، وكثر عدد هذه الأفلام بشكل ملحوظ ما يعنى أن الموضوعات كانت تلقى إعجابا لدى صناع الأفلام والمشاهدين.
طاهر مثلا فى فيلم «قلبى على ولدى» 1953 إخراج بركات، متزوج من امرأة فاضلة أنجبت له الكثير من الأبناء، وتكرس حياتها من أجلهم، إلا أن للزوج علاقة مشينة بامرأة تخرج كثيرا عن القانون، وهى صاحبة أنوثة طاغية، وبسبب العمليات الإجرامية التى يقوم بها لإرضاء العشيقة، يقتل رجلا ويدخل السجن، فى أثناء هذه الأعوام تتمكن الأم من تربية أولادها تحت ظروف اقتصادية صعبة للغاية، وما أن يكبروا حتى ينحرف الابن الأكبر والوحيد وينضم لإحدى العصابات لتدبير المال، بينما تتعرض الابنة الكبرى للغواية للعمل فى إحدى الصالات، ويخرج الأب من السجن ويفاجأ بأن وضع أسرته حساس للغاية خاصة أن الأم أبلغت أولادها أن أباهم قد مات، حتى تبقى ذكراه طيبة فى قلوبهم، لقد جسدت أمينة رزق هذا الدور كثيرا فى أفلام أخرى منها «الطريق المستقيم»، «بائعة الخبز»، و«أعز الحبايب».
تبقى رائحة زكى رستم فواحة بقوة، خاصة بعد خروجه من السجن وقد غير اسمه وها هو يعود إلى عالمه القديم، العمل فى نفس الكباريه، لكنه هذه المرة يكون قد استوعب الدرس فيقاوم رغبة عشيقته القديمة فى العودة إلى أحضانه، وذلك حفاظا على كيان الأسرة، تبعا للوعد القديم بين الزوجين بعدم البوح بالأسرار للأبناء، نعم لقد كررت أمينة رزق نفس الموقف فى الفيلم القديم «الطريق المستقيم» إخراج توجو مزراحى أمام يوسف وهبى حين أخفت على أولادها أن أباهم الذى ادعت وفاته وتخبرهم أنه مات شريفا، هنا أيضا فى «قلبى على ولدى» فإن الأب يظهر مجددا بين أفراد أسرته وقد عرف الاستقامة، لكنه مجرد صديق للعائلة يحنو عليهم، ويحضر حفل زفاف ابنته دون أن تعرف الحقيقة، أن مشهد النهاية فى الفيلمين متقارب، وهنا فإن طاهر يقتل عشيقته بعد زفاف ابنته حتى تبقى السمعة الطيبة للجميع، خاصة أن ابنه قد تخلى عن العصابة وتولى مسئولية الأسرة بنبل شديد.
لو كنت متفرجا تنتمى إلى العام 1953، وتقوم بتصفح عناوين الأفلام فى الشوارع فسوف تجد نفس النجوم يجسدون نفس الشخصيات، الأبناء هم شكرى سرحان وهيام ونزهة يونس، والعشاق منهم كمال الشناوى، وقد تميزت أمينة رزق فى دورها لأنها الأم صاحبة أكبر قدر من النبل والثقافة والوفاء، وذلك تميزا لها عن أم أخرى جسدتها فردوس محمد، وبشكل عام فإن هؤلاء الأمهات يتسمن بالعفة وقوة الشخصية مهما اشتدت المحن حول كل منهن، وذلك عكس شخصية الأم الشبقة التى جسدتها زوزو نبيل مع حسن الإمام وغيره، ولا شك أن إعادة مشاهدة هذه الأفلام على اليوتيوب يجعلنا نعيش تلك العقود بكل ما بها من سمات.